ألم يكن بوسعهم أن يتذكروا مسيرة الدعوة في عهدها الأول , حيث كان الخطاب موجها للفئة التي آمنت فعرّضت نفسها لضروب البلاء وأفانين الرزاء , فهم أحوج ما يكونون إلى التثبيت بذكر ما أعد الله للصابرين من ألولن النعيم المقيم في جنة عرضها السموات والأرض.. ثم لأولئك الطواغيت من المشركين واعوانهم , الذين رفضوا تغيير واقعهم الموروث وأصروا على مواجهة الدعوة الربانية بكل ما يملكون من أسباب الدفع والمنع , ولو أدى ذلك إلى القضاء على كل مخالف لهم بالقتل والتعذيب والحرمان.. فكان من تمام البلاغة المعجزة أن تعرض هذه الوقائع في قرآن يطمئن القلوب المؤمنة إلى حسن المصير من جانب , ويهز الأسماع والأفئدة بقوارع التحذير والوعيد في الجانب الآخر.
ولو هم قد فتحوا عقولهم لهذه البينات لما فاتهم أن يدركوا كذلك ملامح العهد المدني , الذي تميز ببروز القوى الإسلامية في دولتها , التي علت فيها كلمة الله فوق كل نزعة مباينة , فجاءت هذه الملامح قرأنا توافرت خلاله كل عناصر الواقع الجديد , فرقّت لهجته في خطاب المؤمنين , وتلَّونت عبارته في نقاش الكتابيين والمنافقين , وطالت فقراته كي تتسع لأحكام التشريع الخالد , الذي وضع الأسس الراسخة لحلول المشكلات التي تعتري حياة الإنسان. وذلك وهذا من ألوان الوقائع في كلا قسمي القرآن العظيم بارزة لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
الحديث الشريف: لعلوم الحديث رواية ونقدا أثرها البعيد في توجيه الآداب وإقامة قواعد النقد , وهي ناحية لم تعرها المؤلفات المدرسية ما تستحق من عناية , وبهذا الخصوص نلفت النظر إلى كتال (افلماع في طريق السماع) نشر أسد رستم , للانتفاع من مقدمته في تبين أثر الحديث عند الكلام عن الحديث الشريف , وهناك دراسات أخرى في مؤلفات أسد رستم نفسه , تنطوي على إيضاح وافٍ لتأثير علم الحديث في طرق النقد الأدبي يمكن الانتفاع بها في هذه الناحية.