ولو أن بعض الآراء تذهب إلى أن هذا القول معناه أنى إن دخلت مكة على رغم قريش وقع قتال أفضى إلى سفك الدماء. إذ علم الله أنه سيدخل في الإسلام منهم خلق ويستخرج من أصلابهم ناس يجاهدون في سبيل الله [٤٥] إلا أننا يمكن أن نضيف أمراً هاماً فإذا نظرنا إلى الربط بين حبس الفيل وحرمة البيت. ثم حبس الناقة لحرمة البيت انتهينا إلى أن هذا مقصوده. ثم إبداء هذه صراحة من الرسول بأنه يرضى بأي خطة فيها تعظيم أمر مكة وحرمها وإجلال البيت وحفظ مهابته. ومنع القتال فيه. وقيل أن منع أَصحاب الفيل ومنع أصحاب الناقة مع اختلاف مقاصدهما هدفه منع القتال مطلقاً [٤٦] ومن ثم يظهر لنا الرسول صلى الله عليه وسلم إنما تعمد عدم حمل السلاح معه حتى لا يتمادى الأمر، رغبة في السلم وإيثاره. صحيح أن الرسول لما أشيع مقتل عثمان بن عفان الذي بعثه ليعلن لهم احترام الرسول لمكة ومسالمته لها، ومقتل من دخل مكة من المسلمين. أخذ البيعة على أصحابه بأن لا يفروا وأعد نفسه للقتال الذي لا مناص منه إذا اضطرته قريش إلى ذلك بقتل هؤلاء. ولكن سرعان ما تحول عن رغبته في المقاتلة عند البيت لما علم بكذب هذه الإشاعة. فحفظ للبيت حرمته التي جعلها الله له.
ولدينا دليل آخر من حفظ الحرمة ورعاية مكة، أنه أمر بإطلاق من حاولوا الإعتداء على معسكر المسلمين. وكانت قريش قد بعثت نحواً من أربعين أو خمسين رجلاً ليطيفوا بمعسكر المسلمين رجاء أن يصيبوا منهم أَحداً، أو يصيبوا منهم غِرّة فأخذهم محمد بن مسلمة وأصحابه من حراس معسكر المسلمين. فجاء بهم إلى الرسول فعفا عنهم وخلى سبيلهم [٤٧] .