فرسول الله نظر إلى حرمات الله وتعظيم مكة والكعبة ولم يرد أن يسفك دما وقَبلَ ما كان يعتبر في نظر المسلمين قاسياً شديداً. ولكن ظهر أن ذلك الصلح كان خيراً وبركة على المسلمين وكان فتحاً مبيناً. وأن الأمر أمر تعظيم حرمات الله وأن النصر بيد الله فطابت نفوس المسلمين جميعاً.
ب- في عمرة القضاء: كانت هذه العمرة قصاصاً لعمرة الحديبية التي حال المشركون دون إتمامها وتطبيقاً لشروط صلح الحديبية وهي أن لا يدخل مكة عامه هذا فإذا كان عام قابل دخل فيقيم بمكة ثلاثة أيام ليس معه إلا سلاح الراكب: السيوف في القُرُب. وقد وفى صلى الله عليه وسلم بشرطه لهم فلم يدخل عليهم السلاح الذي أحضره معه تنبيهاً للسفهاء ومن ينقضون عهدهم فأبقاه ببطن يأجج مخافة الغدر [٥١] ولكن قريشاً بلغها ضعف المسلمين أو هكذا تفشت قالة السوء بأن المسلمين أوهنتهم حمى يثرب. وبدأ فيهم الضعف. علم ذلك رسول الله فأراد أن يسد هذه الثغرة، فلعل ضعاف النفوس ينتهزون فرصة للقتال داخل الحرم. فلما أقبل ودخل المسجد. وقفت قريش تنظر قوة المسلمين. فأضطبع الرسول بردائه. ثم قال:"لا يرى القوم فيكم غميزة"[٥٢] . وذكر ابن هشام أنهم صفوا له عند دار الندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه فلما دخل رسول الله إضطبع بردائه وأخرج عَضُده اليمنى ثم قال:" رحم الله امراً أراهم اليوم من نفسه قوة". ثم استلم الركن ثم خرج يهرول ويهرول أصحابه معه حتى إذا وآراه البيت منهم واستلم الركن اليماني مشى حتى يستلم الركن الأسود ثم هرول كذلك ثلاثة أطواف ومشى سائرها. ثم مضت السنة على ذلك. [٥٣] وذكر ابن كثير عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال للمسلمين معه:"ارمُلوا [٥٤] ليرى المشركون قوتكم.."كما قال:"اكشفوا عن المناكب واسعوا في الطواف ليرى المشركون جلدهم وقوتهم ... " يقول ابن عباس:"وكان يكايدهم صلى الله عليه وسلم بكل ما استطاع فاستكف أهل مكة"[٥٥] .