للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكان إظهار القوة والجلد والحركة سبباً لعزة المسلمين ومنعتهم فلم يجرؤا أي قرشي أن يعرض لهم بسوء. وقالت قريش:"ما يرضون بالمشي أما إنهم لينفرون نَفرَ الظباء" [٥٦] . فكأن الرسول أراد بإظهار القوة سد الذريعة حتى تنفذ قريش شروط الأمان في بلد الله الحرام. وحذرهم بما أعد من قوة وسلاح من التعرض له ودعاهم بلسان الحال إلى الكف عما ينتوونه من سوء الفعل وهو التعرض لحرمة البيت الآمن.

وبقي الرسول بمكة فلما كان عند ظهر يوم الرابع أتى سهيل بن عمرو وحويطب ابن عبد العزى ورسول الله صلى الله عديه وسلم في مجلس من مجالس الأنصار يتحدث مع سعد بين عبادة، فصاح حويطب قد انقضى أجلك فاخرج عنا. فقال النبي:"وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم [٥٧] . فصنعت لكم طعاماً "؟. فقالا:"لا حاجة لنا في طعامك أخرج عنا. ننشدك الله يا محمد والعهد الذي بيننا وبينك إلا خرجت من أرضنا فهذه الثلاث قد مضت". فغضب سعد بن عبادة لما رأى من غلظة كلامهم للنبي صلى الله عديه وسلم. فقال لحويطب:"كذبت لا أم لك، ليست بأرضك ولا أرض أبيك والله لا يبرح إلا طائعاً راضياً. فتبسم رسول الله. ثم قال:"يا سعد لا تؤذ قوماً زارونا في رحالنا". وأسكت الرجلان عن سعد ثم أمر صلى الله عليه وسلم أبا رافع بالرحيل قائلاً:"لا يمسين بها أحد من المسلمين" [٥٨] .

هكذا ضبط النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين والتزم بعهده وعقده شأنه دائماً. وأقر الأمن والأمان بمكة ليكون دليلاً آخر على معرفته ما لهذا الحرم من جليل القدر.