أحرز صلاح الدين في موقعة (حطين) نصراً بيناً على الصليبيين فأصبح من السهل عليه أن يوالي انتصاراته عليهم بعد أن أباد معظم جيشهم في الموقعة فرجع إلى طبرية وشدد الحصار على قلعتها حتى سلمت ثم رحل إلى عكا وضرب الحصار عليها حتى فتحها واستنقذ منها أسرى المسلمين وكانوا زهاء أربعة آلاف. وخير أهلها المسيحيين بين الرحيل عنها بأموالهم وما يستطيعون حمله من أمتعتهم وبين الإِقامة بها على أن يدفعوا الجزية فاختار معظمهم الرحيل خوفاً من أن يغدر بهم صلاح الدين. وتسلم السلطان المدينة ثم أخضع معظم المدن الساحلية مثل قيسارية وحيفا ويافا وصيدا وغيرها [١٦] .
ثم حاصر السلطان مدينة عسقلان ووعد (جاي دي لوزينيان) بإطلاق سراحه إن هو أقنع أهلها بالتسليم فسلموا على الشروط التي سلمت بها عكا من قبل وبرّ صلاح الدين بوعده لملك بيت المقدس فأطلق سراحه بعد سنة من تسليم عسقلان وبعد أن أخذ عليه عهداً ألا يشترك في حرب ضده ولكنه نقض العهد وحارب السلطان بعد ذلك [١٧] .
وكان صلاح الدين قد قضى على زهرة الجيش الصليبي في موقعة حطين واحتل المدن الساحلية القريبة من بيت المقدس وسيطر على الطرق المؤدية إليها وبذلك تهيأت الفرصة لفتحها فتقدم إليها وحاصرها أسبوعاً فاستسلمت حاميتها وطلب أهلها الصلح فأجابهم صلاح الدين وأمهل من أراد الجلاء من أهلها أربعين يوماً وشرط عليهم أن يدفعوا قبل رحيلهم فدية مقدارها عشرة دنانير عن الرجل وخمسة عن المرأة وديناران عن الطفل ذكراًَ كان أو أنثى فمن دفع سمح له بالخروج ومن لم يدفع أخذ أسيراًَ وأعفى من الفدية الشيوخ والعجزة والفقراء.
وتم تسليم المدينة في أواخر رجب سنة ٥٨٣ هـ وخلّص صلاح الدين من كان فيها من أسرى المسلمين وكانوا زهاء ثلاثة آلاف [١٨] .