وكان سقوط مدينة بيت المقدس عاصمة المملكة الصليبية في يد صلاح الدين إيذاناً بجلائهم عن الشرق ورجوعهم من حيث أتوا وقد سر المسلمون سروراً عظيماً لهذا النصر المبين.
ولما دخل صلاح الدين المدينة حافظ على ما بها من آثار وعمر ما تخرب منها في أثناء الحصار ثم أرسل أخاه العادل لفتح حصن الكرك ففتحه سنة ٥٨٤ هـ وتوجه هو على رأس بقية الجيش إلى مدينة صور وحاصرها وكانت قد تجمعت بها فلول النازحين من البلاد المفتوحة واحتموا بها فاستعصت عليه لأن الإمدادات كانت تأتيها عن طريق البحر ففك عنها الحصار [١٩] .
الحملة الصليبية المعروفة (بالثالثة) سنة ٥٨٧ هـ:
لقد أثار سقوط بيت المقدس في يد صلاح الدين أوروبا فتناسى ملوكها ما بينهم من عداوات وقاد الجيوش للثأر من المسلمين كل من (فردريك بربروس) إمبراطور ألمانيا ورتشارد الأول (قلب الأسد) ملك إنجلترا وفيليب أغسطس ملك فرنسا. وكان هؤلاء الملوك الثلاثة أقوى ملوك أوروبا الغربية وكانت حملتهم أكثر الحملات الصليبية عدداً. وكان فردريك أول من اتجه إلى الشرق سالكاً الطريق البري عبر أوروبا الشرقية وآسيا الصغرى ولكنه غرق عندما كان يعبر أحد الأنهار في كيليكيا فعاد معظم جيشه إلى ألمانيا [٢٠] .
أما ملكا فرنسا وإنجلترا فإنهما ركبا البحر من مرسيليا ووصلا بجيوشهما إلى جزيرة صقلية واستراحا بها فترة ثم غادراها دون أن يتفقا على خطة معينة فتوجه فيليب أغسطس نحو عكا مباشرة وعرج ورتشارد على جزيرة قبرص واحتلها ليتخذها قاعدة لأسطوله يهاجم منها فلسطين.