هذا ما جرى بالعُدوة الأندلسية، أما ما كان يجري بالعُدوة في المغرب، فقد كان فيها حركة إسلامية سلفية رائدها إقامة الشعائر الإسلامية والجهاد، وكان هو الطريق الوحيد لتخليص البلاد من كل ما يبعدها عن الإسلام الصحيح وكان المرابطون بقيادة يوسف بن تاشفين قد قاموا بمجهود عظيم استطاعوا به أن يخلصوا المغرب من الفرقة والجهل بأمور الدين وأن يوحدوا صفوفه ويجعلوه تحت حكم واحد وقيادة واحدة بعد أن كان ولايات مختلفة متخاذلة، وكان يوسف قد علا صيته، وانتشرت أخباره في أوربا والأندلس، وأصبح قوة يرهبه الجميع عندئذ فكر الفقهاء والعلماء في دعوة المرابطين لنجدتهم، إذ هم الورقة الأخيرة التي في يد المسلمين بالأندلس واتجهوا إلى الله أن يجعل النصر على أيدي تلك الفئة المؤمنة بالله القوية به والتي تستمد النصر بالتقرب إليه وتنفيذ أحكامه.
كتبوا إلى يوسف، يرجونه أن يأتي إليهم ليخلصهم مما أوقعهم فيه ملوك الطوائف، وحثوا الأمراء والحكام على أن يتصلوا بيوسف، وذهبت الوفود إلى المغرب باكية، لتذكر ما حصل وحل ببلاد الأندلس، وكان في مقدمة الداعين أبو الوليد الباجي الذي طاف بالممالك المختلفة يدعو الملوك إلى جمع الكلمة والإستعداد للإنخراط في صفوف المجاهدين.
علا الصوت الذي ظل زمناً طويلاً لا يجد المجال لإعلان رأيه، واتصل فقهاء الأندلس بإخوانهم فقهاء المغرب، وراحوا يمهدون للقاء الجيوش المرابطة التي ستحل بالجزيرة لإِنقاذ البلاد.
استجاب يوسف بن تاشفين لدعوة الأندلسيين، ورأى أن فريضة الجهاد توجب عليه أن يسرع لتلبية إخوانه المسلمين، لا في الأندلس وحدها بل في أي مكان، فقد عرف حق الجهاد، وهو بما تعلمه من الإسلام، ومعرفته للجهاد لا يفكر إلا فيه، وكانت كلمة الجهاد لا تفارق لسانه فحينما عبر البحر، وسار إلى الجزيرة الخضراء، طلب منه ابن عباد أن يستريح في عاصمة ملكة أشبيلية فقال له: