وحينما تقدم ملوك الطوائف إلى يوسف يشكو كل واحد الآخر قال لهم:
"لم نأت لهذا، والسلاطين أعلم بما يصنعون في بلادهم!! ".
وهكذا لم يكن الدافع ليوسف إلا الجهاد، والجهاد وحده منفذاً تعاليم الإمام والمربى عبد الله بن ياسين " [١] .
وبدأ الاستعداد العلمي السريع بحذر وحيطة وذكاء، فلقد انتقل من مراكش عاصمة ملكه في قلب الصحراء إلى شاطيء البحر، وأشرف على السفن المعدة للإِيجار إلى الجزيرة الخضراء مفتاح الأندلس، وتكلم مع قائده ابن عائشة، ووصاه بأن ينزل إلى الجزيرة، فيستولى عليها ويحصنها، ويراقب البحر والجبال والوديان حتى لا يؤخذ على غرة.
كان المعتمد بن عباد يعتقد- وقد استولى من قبل على الجزيرة عند من حاكمها المسلم- أنه سيشترك مع المرابطين في التنظيم والإعداد إن لم يجعلوه قائداً على الجيوش، ولكنه وجد أن القوم مستقلون بأنفسهم وبأعمالهم، لا يرغبون أن يدخل بينهم إلا من هو من المرابطين.
توالت السفن تحمل العدة والعتاد والرجال من مدينة سبته المغربية- أعادها الله هي ومليلية إلى المسلمين [٢]- وكان آخر جندي يركب السفينة القائد العبقري أمير المسلمين يوسف بن تاشفين.
كان ذلك ضحى يوم الخميس منتصف ربيع الأول سنة تسع وسبعين وأربعمائة من الهجرة بعد أن اطمأن على عبور جيشه المبارك، وما كادت السفينة القائد العظيم تمخر عباب مضيق جبل طارق لتتجه إلى الجزيرة حتى اضطرب البحر، وتعالت الأمواج، فنهض الأمير واقفاً وسط السفينة يستصرخ الباري سبحانه وتعالى وقد بسط يديه بالدعاء نحو السماء قائلاً:
"اللهم إن كنت تعلم أن في جوازنا هذا خيرا للمسلمين فسهل علينا جواز هذا البحر، وإن كان غير ذلك، فصعبه حتى لا أجوزه ".