للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها في وصف جواده:

وللزجر منه وقع أفرج منعب [٤٩]

فللسوط ألهوب وللساق درة

وقال علقمة يعارضه:

ولم يك حقاً كل هذا التجنب

ذهبت من الهجران في كل مذهب

ووصف فيها جواده فقال:

يمر كمر الرائح المتحلب [٥٠]

فأدركهن ثانياً من عنانه

فلما فرغا قضت (أم جندب) لعلقمة على امرىء القيس، فسألها:" بم فضلته علي؟ "فقالت: "فرس ابن عبدة أجود من فرسك، فأنت زجرت وحركت ساقيك، وضربت بسوطك، أما علقمة فأدرك بفرسه غرضه، ثانياً من عنانه، لم يضربه بسوط ولم يجهده ".

مقاييسه:

ولسائل أن يسأل ويقول: على أي نحو كان هذا النقد الجاهلي؟ أكانت له أصول وأسسه يتم على أساسها تقويم الشعر الجاهلي، أم كان مجرد نقدات فطرية، ونظرات ذوقية؟

نستطيع أن نقول: إن النقد الذي مارسه قدامى النقاد العرب- في بدايات النقد وأولياته- لم تكن له أصول معروفة، ولا مقاييس مقررة، بل كان مجرد لمحات ذوقية، ونظرات شخصية، تقوم على ما تلهمهم به طبائعهم الأدبية، وسليقتهم العربية، وأذواقهم الشاعرة، وحسهم اللغوي الدقيق بلغتهم، وإحاطتهم بأسرارها، ووقوفهم على ما للألفاظ من دلالات وإيحاءات في شتى صورها، بالإضافة إلى ما تزودهم به الطبيعة العربية الجاهلية من معارف وتقاليد، تساعدهم كثيراً في لمحاتهم النقدية، ونظراتهم الشعرية.

وحينما نحاول تطبيق هذه المقاييس الذوقية الفطرية التي على أساسها كان الناقد الجاهلي يستلهم أحكامه، ويبنى نقده..- حينما نحاول تطبيق ذلك على ما تقدم من لمحات نقدية، نجد ذلك واضحاً تمام الوضوح.

فنقد النابغة الذبياني لشعر حسان بن ثابت- والذي أوردناه من قبل- كان مستمداً من فهم النابغة لطبيعة اللغة العربية، ومعرفته التامة بدلالات الألفاظ، وما توحي به أبنية الكلمات من معان وإيحاءات.