ونقد أهل المدينة لشعر النابغة، لما فيه من إقواء، كان نابعاً من فهم العربي لطبيعة الشعر العربي، ولما ينبغي أن يكون عليه من انسجام في الوزن، واتساق في النغم، الأمر الذي يتطلب- ضمن ما تتطلبه قواعد الشعر العربي- وحدة حركة الروى، التي تكسب الشعر اتساقاً وانسجاماً، ولذا كان اختلاف حركة الروى- الإقواء- في شعر النابغة مذهباً لروعة الوزن، واتساقه، بل محدثاً لنوع من التنافر في النغم، مما جعله غير متسق ولا منسجم.
ونقد طرفة لشعر المتلمس لوصفه الجمل بصفة الناقة، كان مبنياً على فهم واع بطبيعة البيئة العربية ومعرفة تامة بالسمات والصفات، التي تتميز بها الحيوانات العربية، لاسيما الحيوانات التي كانت مرتبطة بحياة العربي، وكان العربي مرتبطاً بها.
وعلى الرغم من وضوح تلك الحقيقة- وهي أن العربي الجاهلي كان خبيراً بلغته، عالماً بأسرارها ولطائفها- على الرغم من ذلك نلاحظ بعض نقادنا المعاصرين، يحاولون التشكيك في صحة ما نسب إلى بعض نقاد العرب القدامى من أحكام نقدية، خاصة تلك التي نسبت إلى النابغة الذبياني في نقده لحسان بن ثابت بدعوى أن ما فيه ينضح بالروح العلمية، والنظرة الدقيقة، التي تتسم بدقة التحليل والقدرة على الإستنباط، وتلك أمور تأباها طبيعة العصر الجاهلي، الذي يعتمد نقده على الذوق وحده.
يقول المرحوم الأستاذ/ طه أحمد إبراهيم: "ملكة النقد عند الجاهلين هي الذوق الفني المحض، فأما الفكر وما ينبعث عنه من التحليل والإستنباط، فذلك شيء غير موجود عندهم. وبعيد كل البعد عن الروح الجاهلي، وعن طبيعة العصر الجاهلي ما يضيفه بعض الرواة إلى قصة النابغة مع حسان في عكاظ ...