عيب على حسان أن يفتخر فلا يحسن الافتخار، وأن يؤلف بيته من كلمات غيرها أضخم معنى منها، وأوسع مفهوماً: ترك الجفان، والبيض، والإِشراق، والجريان، واستعمل الجفنات، والغر، واللمعان، والقطر، وهى دون سابقاتها فخراً، وعيب عليه غير ذلك، وتختلف القصة طولاص وقصراً، وتختلف فيها وجوه النقد، وكل ذلك تأباه طبيعة الأشياء، وكل ذلك يرفض رفضاً علمياً من عدة وجوه [٥١]".
ومن هذه الوجوه التي ذكرها قوله: "فلم يكن الجاهلي يعرف جمع التصحيح وجمع التكسير، وجموع القلة والكثرة، ولم يكن له ذهن علمي يفرق بين هذه الأشياء، كما فرق بينها ذهن الخليل وسيبويه، ومثل هذا النقد لا يصدر إلا عن رجل عرف مصطلحات العلوم، وعرف الفروق البعيدة بين دلالات الألفاظ، وألم بشيء من المنطق " [٥٢] .
ومنها- أيضاً- قوله: "ولو أن هذه الروح- يقصد روح النقد التي اتسم بها نقد النابغة- جاهلية؛ لوجدنا أثرها في عصر البعثة، يوم تحدى القرآن العرب وأفحمهم إفحاماً، فلقد لجأوا إلى الطعن عليه طعناً عاماً، فقالوا:"سحر مفترى"، وقالوا:"أساطير الأولين"، ولو أن لديهم تلك الروح البيانية، لكان من المنتظر أن ينقدوا القرآن على نحوها، وأن يفزعوا إليها في تلك الخصومة العنيفة التي ظلت نيفاً وعشرين عاماً " [٥٣] .