أما بالنسبة للوجه الأول فنقول: إن هذه الدعوى التي أطلقها هذا الناقد- وهى أن العربي الجاهلي لم يكن يعرف جمع التصحيح وجمع التكسير ... - إن هذه الدعوى، فيها تجن على مقدرة العقل العربي الذي كان يعرف- بلا شك- دلالات الألفاظ والفروق الدقيقة بينها، وذلك بمنطق الفطرة والطبيعة، التي فطر عليها، لا بمنطق العلم ومصطلحاته، والعربي الجاهلي لم يكن- في استعمالاته لكلمات لغته- بحاجة إلى هذه المصطلحات التي وضعها من بعد علماء اللغة والنحو، بدليل أنه كان يرفع الفاعل، وينصب المفعول، ويجر المضاف إليه بفطرته وسليقته، دون أن يدرك هذه المصطلحات: الفاعل، المفعول، المضاف إليه، الرفع، النصب، الجر. إذن فالعربي الجاهلي لم يكن بحاجة في استعمالاته للغته لهذه المصطلحات: جموع القلة والكثرة، والتصحيح والتكسير وما إليها، ولم يكن استعماله لها متوقفاً على معرفته بها، كي يدرك دلالات الألفاظ والفروق الدقيقة بينها.
وأما بالنسبة للوجه الثاني فنقول: إن هذه- أيضاً- دعوى، تحمل بين طياتها إنكار كون العرب قد أوتوا حظاً من الفصاحة والبلاغة والبيان، ولو كان الأمر كذلك لما تحداهم الله بالقرآن، وهو المعجزة البيانية الرائعة، إذ كيف يتحدى الله بالبلاغة قوماً لا حظ لهم منها؟! وإذ تحداهم الله بالبيان في قرآنه العظيم، فهذا دليل على مبلغ بلاغتهم، وطول باعهم في صناعتها.