ومنه- أيضاً- نقد أهل المدينة لشعر النابغة، فهو نقد استهدف جانب الوزن- أو الشكل الموسيقي- ورأى فيه نشازاً في الوزن، حيث اختلفت حركة الروى في الأبيات، فأحدثت هذا النشاز في الوزن، والتنافر في النغم، مما آذى السمع، وأذهب بشيء غير يسير من روعة الوزن.
وكذلك نقد النابغة لبيت حسان السابق الذكر، كله منصرف إلى ألفاظ وكلمات دون تناول النقد للنص كعمل فني متكامل.
وذلك لأن الشعر عند نقدته من الجاهليين صياغة وفكرة، كان نظماً محكماً أو غير محكم، ومعنى مقبولاً أو غير مقبول، فمعنى المتلمس فاسد، لأنه أسند صفة لغير ما تسند إليه، ومعاني المهلهل التي غالى فيها فاسدة، لأنها فوق المعقول، وشعر الزبرقان يجمع بين الطيب والرديء، أو هو ألفاظ مرصوصة، لا قوة في معانيها، ولا روح تؤلف بينها، وشعر عبدة بن الطبيب قوي الأسر، متين النظم، متماسك متلاحم، فالصياغة والمعاني، هي ما ينتقد في الشعر الجاهلي ... فإن لم يتعرض الجاهلي في النقد للشعر تعرض للشاعر، فآثره على غيره، أو وازنه بغيره من الشعراء ... هذان هما الميدانان اللذان جال فيهما النقد حولات خفيفة في العصر الجاهلي: الحكم على الشعر والتنويه بمكانة الشعراء، فأما غير ذلك من البحث في طريقة الشاعر، أو مذهبه الأدبي، أوصلة شعره بالحياة الاجتماعية، فذلك ما لم يعرفه العصر الجاهلي، وغاية نقدهم أن يأخذوا الكلام منقطعاً عن كل مؤثر، بل منقطعاً عن بقية شعر الشاعر، ويتذوقونه وفاقاً لسليقتهم، ثم يفصحون عن رأيهم..) [٥٩] .