ثم دخلنا بعد ذلك في غابات كثيفة وجبال شاهقة تكسوها تلك الغابات وكانت السحب تغازل تلك الغابات وتعانقها في قمم الجبال، وتلتف حولها في الأسفل وكأنها تطمئن تلك الغابات وتبشرها بالخير والمطر المدرار في وقته الذي يأذن الله به وكان قائد السيارة يشير إلى بعض الأشجار التي يعرف أسماءها ونحن نعرف قليلاً وأكثرها لا نعرفه ومما عرفناه البن والقرنفل. ثم قربنا السائق في طريق جانبي على اليمين إلى ساحة كبيرة بين الجبال مملوءة بالماء فقلنا ما هذا؟ ... قالوا: هذا حوض. قلت: هل تتجمع هذه المياه من سيول هذه الجبال؟ قالوا: بل ينبع الماء من القعر ويتبقى هكذا طول الوقت وفيه قوارب صغيرة يستعملها السائحون ورغب الابن عبد البر في الركوب ولكني قلت له: أنى أكره الوقوف في هذا المكان لأن الأجانب يرتادونه بكثرة وبملابس غير لائقة وقال عبد الله في داخل هذا الماء أشجار شبيهة بالحيوان إذا لمست جسم أحد انطوت عليه وأنزلته إلى القعر فيكون قبره وكنت أظن ذلك خرافة ولكنهم أيدوا ذلك كلهم. وكانت الطريق تتلوى بنا مثل الثعبان حتى كنا في دقائق نسير إلى الجهات الأربع حيث نمشى إلى جهة ثم نكر راجعين إلى الجهة المقابلة وهكذا كانت الطريق:-
نمشى حتى نكاد نلتقي بالنقطة التي كنا فيها ثم نرجع حتى نكاد نلتقي بالنقطة الأخيرة وهكذا. وكانت خطيرة بسبب ذلك وبسبب ضيق الطريق إلا أن السيارات كانت قليلة فيها وليست مزدحمة كما هي العادة في مناطق أخرى من أندونيسيا وفى رأس الجبل وجدنا سوقاً تباع فيه الفواكه والزهور المختلفة بأسعار رخيصة جداً وقفنا قليلاً ثم واصلنا السير وكان الطقس بارداً كأنه مكيف.