للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما الصفات الخِلْقيّة: فلقد كان - رحمه الله - طويلا بائن الطول، قالوا عنه: يبلغ ستة أقدام وأربع بوصات، مفتول الساعد، شديد العصب، متين البناء، ضخم الجسم، رأسه كبير يناسب هذا البناء الشامخ، خفيف العارضين، عريض المنكبين، رحب الذراع، ولهذا الجسم من القدرة الفائقة على التحمل الشيء الكثير، فقد بلغ من القوة الجسمية مبلغا عظيما.

قال فيه صاحب كتاب صقر الجزيرة:

إذا وقف المرء تجاهه، شعر بضآلته تجاه جسمه الصلب الوثيق الفارع، وإذا نظر إلى وجهه، زادته هيبة غير راعبة عن التحديق فيه، فيختلس النظر إليه، يتملى محياه الباسم، وطلعته القوية البارزة، وتفيض مهابته على مجلسه، فلا يطيق أحد الكلام إلا إذا مدّ له حبل تواضعه وسماحته، بل إن بعض من يحضرون للسلام عليه، يفاجأون بمهابته، فما يستطيعون النطق بحرف، فيبسم لهم، ويهدئ منهم، ويستدرجهم إلى البوح بما في أنفسهم، ويدنو إليهم، ويسألهم عن حالهم، حتى يتكلموا، ويشعروا كأنهم بمحضر صديق أو أب رحيم، ويفارقونه، وما يزال في نفوسهم رنين صوته العذب، وذكريات عن تواضعه، وسماحة نفسه، ورجاحة عقله، وصفاء قلبه، وحسن نيته، وطيب سريرته [٦] .

وتلك- لعمري- صفات العبقرية.

ولقد قالوا في تحمل هذا الجسم الشامخ ما وقع في وقعة (كنزان) : فقد هاجمه الأعداء في الليل، وانهزم جنده، فرجع معهم، وفي أثناء سيره لحق به اثنان من خدم أخيه سعد، كانا مرافقين لأخيه، فسأل عن أخيه فقيل: قتل!!

فقال: سعد لم يقتل ... أصيب، وترك ... وأنا يجب أن أرجع إليه.

فقالوا له:

إن الأعداء كانوا قابضين على زمام فرسه وقتلوه ...

ولكنه عاد، ولما عرف الأعداء شخصية سعد، قالوا: عبد العزيز لن يترك سعدا، وسوف يعود إليه، فتركوه ملقى على أرض المعركة، وكمنوا حواليه، ينتظرون قدوم عبد العزيز.