{فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} عن طريق النصح، وإزالة الشبهة وأسباب الخصام، والدعاء إلى حكم الله- تعالى- والرضا به.
والأمر هنا للوجوب، والخطاب لأولي الأمر، ولكل من في إمكانه الإصلاح بين المسلمين.
وقوله- سبحانه-: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى} أي: تعدت إحداهما على الأخرى بغير حق، وأبت الصلح، والاستجابة لحكم الله- تعالى-.
{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} أي: قاتلوا الباغية حتى ترجع إلى حكم الله - تعالى-، وتقبل قضاءه عن سمع وطاعة.
قال الإمام القرطبي عند تفسيره لهذه الآية: قال العلماء: لا تخلو الفئتان من المسلمين في اقتتالهما، إما أن يقتتلا على سبيل البغي منهما جميعاً أولا.
فإن كان الأول فالواجب في ذلك أن يُمشَى بينهما بما يصلح ذات البين، ويثمر المكافَّة والموادعة.
فإن لم يتحاجزا ولم يصلحا وأقامتا على البغي، صِيرَ إلى مقاتلتهما.
وأما إن كان الثاني وهو أن تكون إحداهما باغية على الأخرى، فالواجب أن تقاتل فئة البغي إلى أن تكف وتتوب، فإن فعلا أصلح بينها وبين المبغي عليها بالقسط والعدل" [٦] .
وقوله- سبحانه-: {فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} بيان لما يجب اتباعه مع الفئة الباغية، إذا ما ثابت إلى رشدها، وقبلت حكم الله - تعالى-.
أي: فإن رجعت الفئة الباغية إلى حكم الله، فأصلحوا بين الفئتين بالعدل الذي أمر الله- تعالى- به، وأقسطوا في كل الأمور، لأن الله- تعالى- يحب العادلين في أحكامهم. وجمع- سبحانه- في هذه الجملة بين الأمر بالعدل وبالقسط، لتأكيد هذا الأمر؛ لأن عدم العدل في الأحكام، كثيراً ما يؤدي إلى ازدياد التنازع والخصام.