والمؤمن الذي أراه الله الحق والإيمان، وفهم وتدبر بسمعه آيات القرآن، يشبه الإنسان البصير السميع الذي يرى بعينه طريقَه الذي يوصله إلى غايته، ويسمع بأذنه كلاما ينتفع به في حياته، ووجه الشبه فوز كل منهما بما فيه النفع والخير والفلاح.
والتشبيه في الموضعين من تشبيه المعقول بالمحسوس، وهذا هو الغالب على تشبيهات القرآن الكريم، لأن المشبه به المحسوس أوضح تصويراً للمشبه وأدق، وأشد تأثيرا في النفوس وأعمق.
ومن هذين التشبيهين يتبين أن الكافر والمؤمن ليسا سواء عند الله تعالى فشتان ما بين الضلال والهدى، وشتان ما بين الكفر والإيمان.
وفي ختام هذه الآية قال تعالى:{أَفَلا تَذَكَّرُونَ} وهو استفهام إنكار وتوبيخ:
ينكر الله سبحانه وتعالى على الكافرين ويوبخهم أن لا يتدبروا ويفكروا في حال كل من الكفر والإيمان وما بينهما من اختلاف وتباين، في أيهما الخير والفلاح، وفي أيهما الشر وسوء المنقلب، فيرتدعوا عما هم فيه من الضلال إلى الهدى ومن الكفر إلى الإيمان.
الآية الرابعة في قوله تعالى:{وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}(٣٠) . الآيتان:(٢٩-٣٠) من سورة هود.
تتضمن هاتان الآيتان الكريمتان أن نوحا عليه السلام قال لقومه: يا قوم أنا أدعوكم إلى عبادة الله وحده لا تشركون به شيئا، ولا تظنوا أني أطمع من وراء ذلك في مال تعطونني إياه أجرا على ذلك، إنما أجري على الله تعالى، فهو الذي يثيبني وعنده حسن الجزاء.