علمنا مما مضى أن سر اجتماع المسلمين جميعاً في جماعة واحدة على مختلف أجناسهم ولغاتهم وألوانهم هو كونهم جميعاً ينشدون الوصول إلى هدف واحد هو طلب رضوان الله عز وجل، ومعلوم أن الوصول إلى تحقيق هذا الدف يفرض عليهم الاجتماع والتآخي والتآلف، فإذا ما أوجدوا لأنفسهم مقاصد مخالفة وأهدافا متضاربة فإنهم تبعا لذلك يختلفون ويتناحرون وتنحل جماعتهم وبالتالي تضعف قوتهم وتذهب ريحهم.
ولقد أدرك أعداء الإسلام فعالية هذا السلاح المدمر فحاولوا إشعال نار الفتنة بين المسلمين منذ بزوغ شمس هذا الدين وقيام الجماعة الإسلامية، وأول من حاول تفريق جماعة المسلمين هم اليهود وذلك عند تكوين أول جماعة إسلامية في المدينة المنورة حيث كانوا يذكرونهم بحروبهم الجاهلية وعصبيتهم الممقوتة فمن ذلك ما حدث من أحد كبار اليهود حيث أمر شاباً منهم أن يعمد إلى مجلس الأنصار فيذكرهم بيوم بعاث آخر أيام حروبهم في الجاهلية وأن ينشدهم ما قيل فيه من الأشعار، فثارت بينهم حمية الجاهلية وتواعدوا للقتال في الحرة خارج المدينة ولما خرجوا للقتال علم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم مع بعض الصحابة فأدركهم قبل أن يقتتلوا فقال:"يا معشر المسلمين، الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم من الكفر وألف بين قلوبكم ". فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضاً ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين. وقد ذكر ابن إسحاق هذه الرواية مطولة [١٥] .