فإن من تأثر بتلك الدعوات إن كان من أهل العقيدة أصلاً لا يكون ولاؤه لها، ولا يكون فكره متفقا معها، بسبب سيطرة هذه المناهج على أفكاره، حتى ماتت العقيدة في نفسه، فأصبح لا يدعو لها وإن كان يعتقدها، لكنه بعد عنها تحت تأثير المنهج الحزبي، لأنه يوالى، ويعادي على ذلك الفكر الضيق، الذي بني على غير أسس سليمة، فلا يكون للعقيدة مكان ولا مجال في التطبيق العملي، ولا تعطي ثمراتها الطيبة اليانعة، فهي لا تفيد معتقدها، لأنها قد فقدت روحها، فأصبحت، بلا روح كالجذوة التي استترت وانغمرت تحت الرماد.
وخطورة هذا الأمر لا تقل خطورة عن الجهل بالعقيدة، فإن من يعرف العقيدة ولا يدعو إليها، هو كالجاهل بها سواء بسواء. وهؤلاء إنما أصيبوا بالخرس عن الدعوة إلى العقيدة بدعوى أن ذلك يفرق الأمة، ويمزق كيانها. لأنهم يريدون أن يجمعوا تحت لوائهم من هب ودب. لا فرق في ذلك عندهم بين ملتزم بالعقيدة الصحيحة وغيره. إذ إن الهدف الذي يقصدونه هو مجرد الجمع دون تمييز.
وهذا منهج بلا شك سينتهي بأصحابه إلى الفشل الذريع نظراً لكونه قد بنى على غير أسس سليمة. وذلك أن أصحاب هذا المسلك أتوا من عدم الفهم، والإدراك الصحيح حيث لم يفرقوا في الدعوة، بين الأصول، والفروع، فتراهم يبدأون بالدعوة إلى بعض الفروع، ويزعمون أنه متى أقيم هذا الفرع، فإنه سوف يوجد الأصل تلقائيا، ولذا نرى كثيرا منهم يهتمون بالجانب السياسي، بدعوى أنه متى وجدت الدولة التي ينشدونها عند ذلك تصلح العقيدة، وغيرها، مما فسد من أحوال المسلمين، وهذا تصور غير صحيح، لأن صاحب هذا التصور ذكر شيئاً، وغابت عنه أشياء.
نعم الإسلام دين، ودولة، وعقيدة، وشريعة، ولكن يجب أن نأخذه كوحدة متكاملة بحيث ينطلق في سياسته، وجميع أموره أن العقيدة الإسلامية المستمدة من الكتاب والسنة، وهما كفيلان ببيان منهج الدعوة الإسلامية. كما فصلنا ذلك فيما تقدم.