وأما الخوف الذي أضافه ابن كثير إلى تعريف العبادة فهو يعطي أن عباد الله الذين عرفوا ربهم، وخضعوا له واستجابوا لأمره، وأثمرت لهم هذه المعرفة حباً وشوقاً، يخشون ربهم، ويخافونه، وهم دائما بين خوف ورجاء، وقد امتدح الله عباده، الذين يخشون ربهم ويخافون حسابه، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} ] المؤمنون: ٥٧-٦١ [.
وكلما قويت معرفة العبد بربه، كلما اشتدت خشيته منه وتعظيمه له يقول عليه الصلاة والسلام."من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إنَّ سلعة الله الجنة"[٩] . وأدلج: سار من أول الليل. والمعنى: التشمير في الطاعة.
والعبادة بعناصرها المتقدمة لا تكون صحيحة ومقبولة إلا إذا وقعت على الوجه المشروع، وقصد بها صاحبها وجه الله وحده، قال تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} ] الكهف: ١١٠ [.
ويقول عليه الصلاة والسلام:"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"[١٠] .