ثم خطا المشركون خطوة أخرى في التعذيب فأخذوا يعتدون على المسلمين جميعاً ودون تمييز حتى شمل الاعتداء ذوي الثراء والوجاهة والقوة كأبي بكر وعثمان والزبير وطلحة وأبي عبيدة وعثمان بن مظعون، فقد شدّ نوفل بن خويلد وكان يسمى (أسد قريش) أبا بكر وطلحة القرشيين بحبل واحد، فسميا القرينين [٩] , وعذب أبو أحيحة ابنه خالد بن سعيد ابن العاص، فكان يضربه بقراعة في يده حتى يكسرها على رأسه ثم يأمر بحبسه ويضيّق عليه ويجيعه ويعطشه حتى لقد مكث في حر ّمكة ثلاثاً ما ذاق ماء [١٠] .
ونتيجة لتعرض المسلمين جميعاً للعذاب أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة في السنة الخامسة من بعثته، واختياره للحبشة يعود لشخصية النجاشي أصحمة بالذات لعدله، خلافاً لما يراه المستشرقون بأن الإذن بالهجرة كان لكون الحبشة على صلة ببيزنطة, بانين ذلك على ما ورد في سورة الروم من تنبؤ بنصر الروم على الفرس، وخلافاً لما ذهب إليه الأستاذ الكبير الصعيدي من أن الإسلام كان ناشئا ولم تفسد السياسة بعد بينه وبين النصرانية فآثر المسلمون مصافاتها على مصافاة أعدائهم من مشركي قريش [١١] . والأمر واضح في قوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
"لو خرجتم إلى أرضِ الحبشة فإن فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم مخرجاً مما أنتم فيه"[١٢] . وقوله كما في اليعقوبي:"ارحلوا مهاجرين إلى أرض الحبشة إلى النجاشي فإنه يحسن الجوار"[١٣] .
فتسلل بعض المسلمين مهاجرين، ومع الذين هاجروا جعفر بن أبي طالب، وقد يكون ندبه الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون وكيله في المهاجرين ورسوله إلى ملك النجاشي، وبنو هاشم كانوا ينصرون النبي صلى الله عليه وسلم مع احتفاظ أكثرهم بدينه وكان رئيسهم في ذلك أبو طالب الذي تولى قيادة النصرة والتعصب للنبي صلى الله عليه وسلم وجعفر هو ابنه.