ثقات", عن منيت الأزدي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وهو يقول: "يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، فمنهم من تفل في وجهه, ومنهم من حثا عليه التراب, ومنهم من سبّه حتى انتصف النهار، فأقبلت جارية بعسّ من ماء، فغسل وجهه ويديه وقال:"يا بنيّة لا تخشَيْ على أبيك غيلة ولا ذلة"[١٦] . ومن الذين اشتدوا في إيذائه صلى الله عليه وسلم: أبو جهل عمر وبن هشام، وأبو لهب عمه، وأم جميل زوجة أبي لهب، وعقبة بن أبي معيط، ولكنّ إسلام حمزة ثم عمر بن الخطاب كفّ القرشيين عن بعض ما كانوا ينالون به الرسول صلى الله عليه وسلم من أذى خوفاً منهما. وفي أثناء ذلك استمر القرآن الكريم يردّد مشاهد الشدة والعنف مع المشركين يندّد بهم وينذرهم بسوء المصير، ويصبّر الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين ويعدهم بالنصر والتأييد وحسن العاقبة.
أسلوب المقاطعة:
إزداد حنق المشركين من قريش إزاء صبر الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين على الأذى والتعذيب وإصرارهم في المضي بالدعوة وإزاء فشوا لإسلام في القبائل، فاجتمعوا وائتمروا وقرروا مقاطعة المسلمين وبني هاشم دون أبي لهب، فلا يتزوجون منهم ولا يزوّجونهم، ولا يبيعون لهم شيئاً ولا يشترون منهم، وتعاهدوا وتواثقوا على ذلك، وعلقوا صحيفة المقاطعة بالكعبة [١٧] . فاضطر بنو هاشم وبنو عبد المطلب إلى النزوح إلى شعب أبي طالب شرقي مكة، وقطعت عنهم قريش كل أنواع المؤن، ولم يكن يتاح لهم الاختلاط بغيرهم من الناس إلا في الأشهر الحرم حين يفد العرب إلى مكة لزيارة البيت الحرام, وبلغ بهم الجهد حدّاً لا يطاق، فذاقوا الجوع والحرمان حوالي ثلاث سنوات لا يصل إليهم القوت إلا خفية.