عرض الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه على بني عامر بن صعصعة وغسان وفزارة وبني مرة وبني حنيفة وبني سليم وبني عبس وبني نصر وكندة وكلب وبني الحارث بن كعب وبني عذرة، دون مساومة.
فقد دعا بني شيبان بن ثعلبة فقال لهم:"أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأن تؤووني وتمنعوني وتنصروني حتى أؤدي عن الله ما أمرني به", فقال له المثنى بن حارثة:"ولعل هذا الأمر الذي تدعو إليه تكرهه الملوك، فأما ما كان مما يلي بلاد العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول، وأما ما كان مما يلي بلاد فارس فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول، فإن أردت أن ننصرك مما يلي بلاد العرب فعلينا ", فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحزم لا يقبل المساومة:"ما أسأتم الردّ إذا أفصحتم بالصدق, إنه لا يقوم بدين الله إلا من حاطه من جميع جوانبه "[٢٢] .
وقال له أحد بني عامر بن صعصعة:"أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء" [٢٣] .
وذهب صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يتلمسّ نصرة ثقيف فاتصل بسادتها وأشرافها ودعاهم إلى عبادة الله وإلى نصرته فلم يجيبوه وخافوا على أحداثهم أن يتأثروا بدعوته، فأمروه بالخروج من بلدهم، وأغروا به سفهاءهم يسبون ويصيحون به، وقد اصطفوا على جانبي الطريق على مسافات طويلة في داخل المدينة، فلما مر ّمن بينهم جعلوا يرشقونه بالحجارة حتى أدموا قدميه، حتى إذا وصل شجرة فاستظل بظلها اتجه إلى ربه سبحانه يستمدّ منه القوة والعون ودعا قائلا: "اللهم إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي" [٢٤] .