للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورجع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة فوجد قومه يقفون له بالمرصاد، ليمنعوه من دخول مكة، فاستجار بالمطعم بن عدي فأجاره، وتسلح هو وبنوه لحمايته حتى دخل مكة وطاف بالبيت ثم انصرف إلى منزله في حراسة المطعم وأولاده ليعود إلى الكفاح من جديد وليستأنف تبليغ الدعوة في ذلك الجو العاصف المليء بالأخطار والمخاوف, فامتدت له يد الرحمن بالرحمة والخير والحنان واحتضنت العناية الإلهية محمداً صلى الله عليه وسلم لترتفع به إلى أسمى مكان، فأسري به من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في القدس، ثم عرج به من الصخرة المشرفة إلى سدرة المنتهى بجسده وروحه حيث فرضت الصلوات الخمس، واطِّلع على جوانب الإعجاز الإلهي في الكون الكبير, قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} . (الإسراء: ١) .

وبحادثة الإسراء والمعراج تأكد الرباط المتين الذي يشدّ البلدين مكة والقدس إلى بعضهما، حيث انطلق الأنبياء على مدار القرون يدعون إلى عبادة الله الواحد ورفض الأصنام والطواغيت، ففي مكة حيث أقام إبراهيم أبو الأنبياء وابنه إسماعيل- عليهما السلام - أول بيت وضع للناس لعبادة الله على الأرض، وفي القدس حيث انبعثت نبوات متتالية تكافح من أجل تعزيز دعوة إبراهيم، حيث اجتمع هؤلاء الأنبياء الكرام في صلاة جماعية أمهّم فيها خاتمهم تعبيراً عن الدور الذي جاءوا إلى العالم لأدائه، واتجاهاً إلى الهدف الواحد الذي بعثوا لتحريك الناس إليه، وسجوداً لله الواحد الذي كرم الإنسان وشرّفه بالدين.