للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأرسل فيها معهم مصعب بن عمير معلماً ومرشداً، يقرؤهم القرآن، ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين، فانتشر الإسلام في يثرب وغزا كل بيت [٢٧] . إما إيجاباً أو قبولاً, أو رفَضاً ومناهضة, فتفاعلت الدعوة مع مجتمع يثرب تفاعلا قوياً وتهيأت يثرب لتكون نقطة ارتكاز للدعوة تمهيداً لانطلاقها إلى شبه الجزيرة ثم العالم.

وفي موسم الحج التالي وفد مصعب إلى مكة ومعه ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان من المسلمين، وأعلمه أن يثرب أصبحت جاهزة لتتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنّ الغرس نما واشتد وبدأ يعطي ثماره، واجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم بمسلمي يثرب اجتماع العقبة الثانية ليلاً وسرّاً بعيدا عن عيون قريش وعرض عليهم شروطه التي رآها ضرورية للدعوة والضمانات الضرورية ليترك مكة وينتقل إلى يثرب، فكانوا على استعداد أن يمنعوا ما يمنعون منه أنفسهم وأبناءهم ونساءهم، وأن يحاربوا معه الأسود والأحمر وأن ينصروه على القريب والبعيد, وشرط لهم الوفاء بذلك والجنة [٢٨] . فقال له أحدهم: "يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالا (يقصد عهودهم مع اليهود) وإنّا قاطعوها، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ ", فتبسّم الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قال: "بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم" [٢٩] . وطلب منهم أن يخرجوا من بينهم اثني عشر نقيباً ليكونوا على قومهم فأخرجوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، وبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية التي مهّدت لهجرة المسلمين إلى يثرب.