لمثل هذه الاعتبارات- والله أعلم- وغيرها مما يعلمه الله الخلاق العليم الحكيم ابتعدت دعوات الأنبياء ومناهجهم عن استخدام هذا الشعار البراق الملوح أو المصرح بالأطماع والشهوات العاجلة وسلكت منهجا حكيما نزيها شريفا ينطوي على الابتلاء والاختبار فيتبعهم ويؤمن بهم كل صادق مخلص متجرد من كل المطامع والأغراض الشخصية، لا يريد بإيمانه وتوحيده وطاعة رسل الله عليهم الصلاة والسلام إلا الجنة ومرضاة ربه، ولا يخاف إلا من غضبه وأليم عقابه. ولهذا لا يتبعهم في الغالب إلا الفقراء والمساكين والضعفاء. قال تعالى- حكاية عن قوم نوح:{قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ}(الشعراء: ١١١) ، وقال عن قوم صالح:{قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ، قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}(الأعراف: ٧٥-٧٦) . وجاء في أسئلة هرقل لأبى سفيان، "فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟. قال أبو سفيان، فقلت: بل ضعفاؤهم. ثم قال هرقل: وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم، فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم اتباع الرسل".
فالدعوة إلى إقامة دولة أسهل بكثير وكثير، والاستجابة لها أسرع، لأن أكثر الناس طلاب دنيا وأصحاب شهوات ولما ذكرنا من الأسباب والعقبات والصعاب في طريق دعوات الرسل نجد أنه لا يتبعهم إلا القليل فنوح، لبث ألف سنة إلا خمسين عاما يدعو إلى الله ومع ذلك {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ}(هود: ٤٠) .