للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فعلى قول هؤلاء فإن الأمر هنا محمول على الوجوب ولابد للدائن من إثبات دينه كتابة إذا كان الدين مؤجلا، فإن لم يكتبه فقد خالف أمر الله الوارد في الآية، وضيع حقه بتفريطه في التوثيق لماله. ولا وجه لمطالبته عند إنكار مدينه للدين لأنه ما أعد عدته لهذا الإنكار.

(٣) وهذا هو قول الجمهور: إن الأمر بالكتابة في قوله تعالى: {فَاكْتُبُوهُ} والأمر بالإشهاد في قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} وفي {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} لا يخلو من أن يكون موجبا لكتابة الديون الآجلة والإشهاد عليها حال نزولها، وكان هذا حكما مستقرا ثابتا إلى أن نسخ إيجابه بقوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} ، أو يكون نزول الجميع معا، فإن كان كذلك فليس جائزا أن يكون المراد بالكتابة والإشهاد الإيجاب لامتناع ورود الناسخ والمنسوخ معا في شيء واحد، إذ غير جائز نسخ الحكم قبل استقراره.

ولماّ لم يثبت تاريخ نزول هذين الحكمين- الأمر بالكتابة والإشهاد- وقوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} وجب الحكم بورودهما معا، فلم يرد الأمر بالكتابة والإشهاد إلا مقرونا بقوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} فثبت بذلك أن الأمر بالكتابة ليس للوجوب إنما هو للندب أي تندب الكتابة.

أما قول ابن عباس رضي الله عنهما: "أن الآية محكمة ولم ينسخ منها شيء"، فلا دلالة فيه على أنه يرى وجوب الكتابة والإشهاد إنما يريد أن الجميع قد ورد معا ونسق التلاوة يقتضي أن يكون ذلك مندوبا وهو ورود قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} .