وكذلك ما روي عن أبي موسى: ثلاثة لا يستجاب لهم من له على رجل دين فلم يشهد عليه، فلا دلالة فيه أيضا على وجوب الكتابة والإشهاد لأنه قد ذكر معه من له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ولا خلاف في أن ذلك ليس بواجب، بل يقال أنه تارك للاحتياط والتوصل إلى ما جعل الله له فيه المخرج والخلاص.
ويؤيد صحة مذهب الجمهور في ندب الكتابة وعدم الوجوب أنه لم تنقل إلينا كتابة الصحابة والتابعين وسلف الأمة لديونهم أوبيوعهم أو عقودهم مع حاجتهم لها، لم ينقل نكيرهم أو اعتراضهم على من ترك الكتابة، فلو كانت الكتابة واجبة لنقل ذلك نقلا مستفيضا ولتواتر إنكارهم على تاركها. فدل عدم النقل وعدم إظهار النكير على أن آية الكتابة ليست واجبة إنما ورد الأمر في هذه الآية للندب والاحتياط حتى لا يقع جحود أو نسيان [٤] .
حجية الكتابة في الإِثبات:
إذا كنا قد تناولنا آراء الفقهاء في كتابة الديون من حيث الوجوب وعدمه، ورأينا أن البعض يرى الوجوب والبعض الآخر يرى نسخ الوجوب، والجمهور يرى ندب الكتابة من غير نسخ، فهل تكفي الكتابة دليلا في الإثبات، وما قيمة السند المكتوب وما مدى حجيته على ما دُوِّن فيه؟ وهل يحكم القاضي بما هو مسطور في السند متى ما رفع إليه سند يتضمن حقا من الحقوق وليس عليه أن يقبل أي طعن في صحته وصحة ما حمله السند؟.
لاشك أن الكتابة المشار إليها في الآية الكريمة أصبحت مستندا خطيا لأن المكتوب يحوي إقرارا بما تضمنه السند موقعا عليه من المدين المقر وبشهادة كاتب السند أو الشهود الذين وقعوا على صحة إقرار المدين بالسند وعليه فإن حجية السند هنا تأتي من توقيع المقر والإشهاد فقويت دلالته على الحق، ولاشك أن الفقهاء عاملوا الإقرار بالكتابة معاملة الإقرار باللسان سواء بسواء.