ومهما يكن من شيء فإن أقدم الحضارات بالجزيرة العربية قد وجدت- فيما يبدو- باليمن حيث قامت الدولة المعينية وحاضرتها معين (١٣٠٠-.٦٥ ق. م) ثم ورثتها الدولة السبئية (٩٥٠-١١١٥ ق. م) وعاصمتها مأرب. وكان للسبئيين أعمال عمرانية منها السدود كسد مأرب الذي بنى من الحجارة، وهو أعظم سد في الجزيرة العربية. وكان أشبه بخزان عظيم لمياه السيول التي تتكون من الأمطار الساقطة من الجبال. وثمة "قناطر وسدود وأحواض تدل على نبوغ أهل اليمن في فن العمارة وهندسة المباني ومعرفتهم بأنظمة الرى"[٢٧] . فلا غرو فقد أشار القرآن الكريم إلى "الجنتين"ويعني بذلك البساتين التي كانت تحف جانبي الطريق أو عن يمين واديهم وشماله. وهما رمز الخصوبة والنماء. فقد وجدت في آثار سبأ لوحات وتماثيل من المرمر والرخام والبر ونز لسنابل القمح والبقر والخيل [٢٨] . فضلا عن نقاء هواء سبأ الذي بينه القرآن في قوله تعالى:{وبلدة طيبة} .ووفق تفسير الجلالين فإن معنى طيبة "أنه ليس فيها سباخ ولا بعوضة ولا ذبابة ولا برغوث ولا عقرب ولا حية ويمر الغريب وفي ثيابه قمل فيموت القمل لطيب هوائها"[٢٩] .
ولم يكن اقتصاد سبأ زراعيا فحسب، بل كانت منفتحة على العالم الخارجي ومزدهرة تجاريا إذ كان من أهم أعمال السبئيين الملاحة في المحيط الهندي والبحر العربي حيث كانوا يسيرون سفنهم فيها حسب الرياح الموسمية [٣٠] .