والثالث: ربما يتوهم أنه كالأول من جهة أنه إذا ثبت أصل عبادة في الجملة، فيسهل في التفصيل نقله من طريق غير مشترط الصحة. فمطلق التنفل بالصلاة مشروع، فإذا جاء ترغيب في صلاة ليلة النصف من شعبان فقد عضده أصل الترغيب في صلاة النافلة. وكذلك إذا ثبت أصل صيام، ثبت صيام السابع والعشرين من رجب وما أشبه ذلك. وليس كما توهموا، لأن الأصل إذا ثبت في الجملة لا يلزم إثباته في التفصيل، فإذا ثبت مطلق الصلاة لا يلزم منه إثبات الظهر والعصر أو الوتر أو غيرها حتى ينص عليها على الخصوص. وكذلك إذا ثبت مطلق الصيام لا يلزم منه إثبات صوم رمضان أو عاشوراء أو شعبان أو غير ذلك، حتى يثبت بالتفصيل بدليل صحيح. ثم ينظر بعد ذلك في أحاديث الترغيب والترهيب بالنسبة إلى ذلك العمل الخاص الثابت بالدليل الصحيح وليس فيما ذكر في السؤال شيء من ذلك، إذ لا ملازمة بين ثبوت القيام الليلي والنهاري في الجملة، وبين قيام ليلة النصف من شعبان بكذا وكذا ركعة يقرأ في كل ركعة منها بسورة كذا على الخصوص كذا وكذا مرة. ومثله صيام اليوم الفلاني من الشهر الفلاني، حتى تصير تلك العبادة مقصودة على الخصوص ليس في شيء من ذلك ما يقتضيه مطلق شرعية التنفل بالصلاة أو الصيامِ والدليل على ذلك أن تفضيل يوم من الأيام أو زمان من الأزمنة بعبادة يتضمن حكماً شرعياً فيه على الخصوص، كما ثبت لعاشوراء مثلاً، أو لعرفة أو لشعبان مزية على مطلق التنفل بالصيام، فإنه ثبت له مزية على الصيام مطلق الأيام. فتلك المزية اقتضت مرتبة في الأحكام أعلى من غيرها لا تفهم من مطلق مشروعية الصلاة النافلة، لأن مطلق المشروعية يقتضي الحسنة بعشر أمثالها - إلى سبعمائة ضعف في الجملة. وصيام يوم عاشوراء يقتضي أنه يكفر السنة التي قبله، فهو أمر زائد على مطلق المشروعية، وما يفيد له مزيد في الرتبة، وذلك راجع إلى الحكم.