فإذا هذا الترغيب الخاص يقتضي مرتبة في نوع من المندوب خاصة، لأن من رجوع إثبات الحكم إلى الأحاديث الصحيحة بناء على قولهم: إن الأحكام لا تثبت إلا من طريق صحيح والبدع المستدل عليها بغير الصحيح لا بد فيها من الزيادة على المشروعات كالتقييد بزمان أو كيفية مَّا. فيلزم أن تكون أحكام تلك الزيادات ثابتة بغير الصحيح، وهو ناقض إلى ما أسسه العلماء.
ولا يقال: إنهم يريدون أحكام الوجوب والتحريم فقط. لأنا نقول: هذا تحكم من غير دليل، بل الأحكام خمسة. فكما لا يثبت الوجوب إلا بالصحيح فإذا ثبت الحكم فاستسهل أن يثبت في أحاديث الترغيب والترهيب، ولا عليك. فعلى كل تقدير: كل ما رغب فيه إن ثبت حكمه ومرتبته في المشروعات من طريق صحيح فالترغيب بغير الصحيح مغتفر. وإن لم يثبت إلا من حديث الترغيب، فاشترط الصحة أبداً، وإلا خرجت عن طريق القوم المعدودين في أهل الرسوخ. فلقد غلط في هذا المكان جماعة ممن ينسب إلى الفقه. ويتخصص عن العوام بدعوى رتبة الخواص. وأصل هذا الغلط عدم فهم كلام المحدثين في الموضعين، وبالله التوفيق.
الشرط الرابع: وأما قولهم أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته لئلا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل. فعدم نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يغلب على الظن أنه قال ذلك أمر مسلّم به وموافق للحق لكن هل يتصور الجمع بين عدم اعتقاد ثبوته والعمل به؟!
لأن الانبعاث إلى العمل به متسبب عن ذلك الخبر، وقائم عليه. فإذا لم يعتقد ثبوته فلماذا يعمل به؟ والحالة هذه وكل عامل بمثل هذا لو سئل عن الدافع إلى ذلك العمل لم يتردد عن الإشارة إلى هذا الحديث. ولو لم يرد فيه حديث لم يعمل به. فهل يمكن أن يقول زيد لعمر وحرك يدك أو رجلك على شكل كذا وكذا ويكون لك من الثواب كذا وكذا فهل يصدقه بذلك ويعمل بما قال؟! وهو يعلم أن ما قاله هو من قبل نفسه، وإن صدقه في ذلك فلا مرية في اختلال عقله.