للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يصلح أن يكون المعطوف عليه هو جملة {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} لأنها محكية عن المشركين والعطف عليها يجعل المعطوف وهو جملة الاستفهام محكيّاً عنهم، مع أن جملة الاستفهام ليست من كلامهم.

ولا يحسن أن يكون المعطوف عليه جملة شرطية أخرى مخالفة لجملة الشرط المذكورة، فيكون تقدير الكلام معها: أيتبعون آباءهم لو كانوا يعقلون شيئاً ويهتدون، ولو كانوا لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون.

لا يحسن ذلك لأنه تقدير متكلف لا يستدعيه المعنى ولا يتطلبه.

ثم إن الجملة الاستفهامية كلام مستأنق جاء ردّاً على الكافرين وتوبيخاً لهم.

هذا، وقبل أن أنتقل إلى الآية الثانية أحب أن أنقل إليك ملاحظات لأبى حيان تفسيره البحر المحيط [٦] تدل على دقة فهم وحسن تذوق لما جاء في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} ، وهذه هي الملاحظات:

١- (وإذا) الواردة في قوله تعالى المتقدم تدل على التكرار، تكرار القول لهم أن يتبعوا ما أنزل الله وتكرار جوابهم برفض هذا الإتباع والإصرار على اتباع آبائهم، وفي هذا دلالة على أن الدعوة إلى الإيمان بالله يجب أن لا تيأس وأن لا تتراجع وأن لا تقف أمام إعراض المدعوين عن الحق وشدة تماديهم في الباطل.

٢- وبُني (قِيل) لما لم يسمّ فاعله لأنه أخصر، فلو ذكر الفاعل وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ومن يتبعه من المؤمنين لطال الكلام طولاً لا يستدعيه غرض بلاغي.

٣- وقد ذكر لفظ الجلالة (الله) في (ما أنزل الله) للإعلام بعظم ما أمِروا باٍتباعه، فقد نسب إنزاله إلى الله تعالى، فكان ينبغي أن يتلقّى بالقبول وأن لا يُعارَض باتباع آبائهم رؤوس الضلالة.