يتضمن هذه الآية الكريمة: يا بني إسرائيل قد نزّلنا التوراة على موسى رسولاً إليكم، وأرسلنا إليكم من بعده الرسل تترى رسولاً بعد رسول، يسيرون على شريعته ومنهاجه، ويعملون بما كان يعمل، ثم بعثنا إليكم من بعدهم عيسى بن مريم يأمركم بإقامة التوراة والعمل بما جاء فيها، وآتيناه الآيات التي تدل على أنه رسول من عند الله إليكم كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وأعطيناه الإنجيل ونصرناه بجبريل، فكنتم كلما جاءكم رسول بما لا تهواه أنفسكم استكبرتم عن الإيمان به واتباعه إحتقاراً له وإعجاباً، بأنفسكم، ففريقاً من هؤلاء الرسل كنتم تكذبون، وفريقاً كنتم تقتلون.
وقد جاء هذا الاستفهام:{أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} جاء مفيداً الإنكار (بمعنى لا ينبغي) ومفيداً التوبيخ والتعجب: فقد أنكر الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل ووبخهم على تكبرهم على الرسل واحتقارهم إياهم، وعلى قتل من يستطيعون قتله، وعلى تكذيب من لا يستطيعون إلى قتله سبيلاً.
ولقد كانت حالهم هذه التي استحقوا التوبيخ عليها والإنكار من الله عزّ وجلّ، كانت مدعاة أيضاً إلى التعجب، فقد كانوا سفهاء في استقبالهم دعوة الحق والصدق، جهلاء سفّاكين للدماء في معاملتهم رسل الله الداعين إلى الخير والهدى.
وإعراب هذا الاستفهام:{أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} :
الفاء الواقعة بعد همزة الاستفهام عاطفة، عطفت الجملة التي بعدها على الجملة التي قبل الهمزة، فكأنه قيل لقد آتيناكم يا بني إسرائيل ما آتيناكم فكلّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم.