للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستعان بعضهم على بعض بأعدائهم من نصارى الشمال، فوجد النصارى الفرصة للقضاء علىِ المسلمين جميعاً في شبه الجزيرة، فأخذوا يضربونهم، بعضهم ببعض، ويدفعون كلا منهم للصراع، ويغرونهم بشتّى الإعانات، والخداع، والمكر، والكيد، حتى يتمكّنوا من أخذ البلاد والاستيلاء على الطّارف والتّلاد (١) كما نشروا الجواسيس لإيجاد الصدع في صفوف المسلمين (٢) ، وتنازع الإخوة من ملوك الطوائف على الملك (٣) ، واستعان كلّ منهم بالعدوّ الصّليبي على أخيه، ولبَّى النّصارى الاستغاثات لأنهم وجدوها فرصة لتصفية الحساب مع المسلمين، فكانوا يقدمون الضّمانات الزّائفة، والوعود الكاذبة للجانب الذي ظهر رجحان كفته، حتى إذا أوشك على النّصر قلبوا له ظهر المجنّ وعملوا على ترجيح كفّة منافسه (٤) كما أخذت الكنيسة في روما تتحرّك بقوّة بما لاحظته من ضعف المسلمين، فعملت على تكتّل نصارى أسبانيا، وعلى تكتّل النّصارى في أوربا لتوحيد العمل ضد الإسلام والمسلمين. والحقّ أن الأفرنج ما طمعت في الأندلس إلاّ عندما تفرقت البلاد، وصار كلّ بلد بيد ملك، فحينئذ طمع الفرنج فيهم، وأخذوا كثيراً من ثغورهم (٥) ، وأنهكوا قوى المسلمين واستنزفوها. فاتخذت الحرب في الأندلس وجهة الحرب الصليبية قبل أن تعلن بصفة رسمية في الشرق. إذ قرّر البابا الأسكندر الثاني عام ٤٥٦هـ/١٠٦٣م منح مغفرة خاصة لكل من يشدّ الرّحال لقتال المسلمين في أسبانيا، فهب عدد كبير من فرسان فرنسا


(١) نفح الطيب جـ٥٠٧ ص٥٠٧ عن جنة الرضى لابن عاصم.
(٢) وقصة المنصور مع الشيخ الهرم، واكتشاف جاسوسيته مثال على هؤلاء الجواسيس/ نفح الطيب جـ١ ص٣٧٨.
(٣) كما حصل في أمراء بنى هود بين الأخوين المقتدر بن هود والمظفر بن هود. وكما حصل لأبناء المقتدر: المؤتمن، والمنذر (الحجي- التاريخ الأندلسي ص٣٥٦) .
(٤) كما حدث مع أبي بكر بن عبد العزيز الذي ثار على القادر واحتمى بالفونسو السادس.
(٥) الكامل في التاريخ جـ٨ ص١٣٨