للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأوربا لمساعدة إخوانهم في ما وراء الجبال (١) فقويت الممالك النصرانية في شمال الأندلس، وتوالت غاراتها على المسلمين، وطمع فردلند (فرناندو الأول) ملك قشتالة وليون فاستولى على بعض المناطق القاصية من الشمّال الغربي سنة ٤٤٩هـ/١٠٥٧م وحاصر مدينة باز وجنوب دويرة، واقتحمها بعد دفاع مجيد من المسلمين وعاث فيها قتلاً وأسراً، كما هاجم واحتل مناطق من مملكة بطليوس الخاضعة لبني الأفطس، وعاث عام ٤٥٤ هـ في الأنحاء الشمالية لمنطقة طليطلة وحكامها بنو ذي النّون، وفي بعض مناطق اشبيلية حيث بنو عباد، وسقطت بيده مدينة قلمرية (قلنبيره) عام ٤٥٦/١٠٦٤م (٢) . وهاجم النورمان مدينة بربشتر وتقع على بعد ٦٠ كم شمال شرق سرقسطة وإحدى القواعد الأندلسية المنيعة، وتغلّبوا عليها بعد حصار أربعين يوماً سنة ٤٥٦ هـ وارتكب النصارى فيها جرائم مذهلة مثيرة بقيادة جيوم دي مونري من أكابر فرسان عصره. وكان في خدمة الجيوش الرومانية والبابوية (٣) ، فقد استباحوا المدينة بعد أن أمّنوا سكانها بكلّ ما فيها ومن فيها، وقدّر عدد القتلى والأسرى بين أربعين ألف ومائة ألف، ثم أعطى قائد الحملة الأمان لكنه- حين رأى كثرة أهل المدينة- أمر جنده أن تقلّل أعدادهم حصاداً بالسّيف، فأطيح أرضاً بستة آلاف من الرؤوس، ثم انتهبوا المدينة، واحتلّوا دورها لأنفسهم وارتكبوا أبشع الجرائم قتلاً وهتكاً للأعراض. وكان (الخطب أعظم من أن يوصف أو يُستقصى) كما يقول ابن حيّان (٤) فأثر الخطب في المسلمين وتداعوا إلى الجهاد، فتمكّنوا من استرجاعها عام ٤٥٧ هـ ومُزّق المعتدون بعد أن دام احتلالها تسعة شهور (٥) .


(١) اندري جوليان- تاريخ إفريقيا الشمالية- تعريب محمد مزالي، والبشير بن سلامة جـ٢ ص١١١.
(٢) الحجي - التاريخ الأندلسي ص٣٢٨.
(٣) عنان- دول الطوائف ص٢٧٤.
(٤) الحجي - التاريخ الأندلسي ص٣٦١
(٥) الروض المعطار ص٤١.