للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما ابن عباد فقد بذل جهداً مشكوراً، وأثبت كفاءة عالية في هذا اليوم، وصبر فعندما اشتدت صدمة النّصارى وانكشف بعض أصحابه وفيهم ابنه عبد الله، ضُرب على رأسه ضربة فلقت هامته حتى وصلت إلى صدغه، وجُرحت يُمنى يديه، وطُعنَ في أحد جانبيه، وعُقرت تحته ثلاثة أفراس، كلما هلك واحد قُدّم له آخر، وهو يقاسي حياض الموت ويضرب يميناً وشمالاً، وتذكّر في تلك الحالة ابناً له صغيراًَ كان مُغرماً به تركه في أشبيلية عليلاً، وكنيته أبو هاشم فقال (١) :

أبا هاشم هشمتني الشّفار

فلله صبري لذاك الأوار

ذكرت شُخَيْصَك تحت العجاج

فلم يثنني ذكره للفرار

وهكذا اتّبع يوسف في قتاله للنّصارى أسلوب الكرّ والفر ّبالصّفوف المتراصة المتماسكة وهو نظام أربك النّصارى لأنهمّ لم يعهدوه من قبل. وبعد عديد من الكرّات أدرك الأمير تضعضع النّصارى، فعندئذ ضرب ضربته الأخيرة، إذ أمر حشمه السّودان، فترجّل منهم زهاء أربعة آلاف، ودخلوا المعترك بدرق اللمّط، وسيوف الهند، ومزاريق الران، فطعنوا الخيل، فرحت بفرسانها (٢) ، وترجّل معهم عدد آخر من الأجناد: فآمّن الله المسلمين وقذف الرّعب في قلوب المشركينِ (٣) . وطُحِنوا بين العسكرَيْن المُسْلِمَينْ. ودارت الدّائرة على قوات الفونسو، وجرح جرحاًَ بالغاً، إذِ لصق به عبد أسود طعنهُ في فخذه بخنجر، فتسلّل ومعه حوالي خمسمائة فارس مثخنين جراحاًَ وانسحب من المعركة، وفر ّجيشه، وطورد الفارّون في كلّ مكان، حتى دخل الظّلام فأمر ابن تاشفين بالكفّ عن المطاردة، وتسلّل الفونسو مع جماعته في جنح الظلام فارّاً إلى طليطلة، حيث توفّي أكثرهم في الطّريق، ولم يدخل معه طليطلة إلا حوالي مائة فارس (٤) .


(١) نفح الطيب جـ٤ ص٣٦٦.
(٢) نفح الطيب جـ٤ ص ٣٦٨/ ابن خلكان جـ٦ ص ١١٦.
(٣) الحلل الموشية ص ٤٣/ تاريخ المغرب الكبير ص ٧٢٥.
(٤) نفح الطيب جـ٤ ص ٣٦٩/ الروض المعطار ص ٩٣.