للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جاز أمير المسلمين البحر للمرة الثّانية بقواته في ربيع الأول عام ٤٨١ هـ/١٠٨٨ م وتلقّاه ابن عباد في الجزيرة الخضراء، وبعث بكتبه إلى ملوك الطّوائف ورؤسائهم يستدعيهم جميعاً للجهاد، فوافوه عند حصن لييط، حيث ألقى عليه الحصار، وسلّط عليه المسلمون آلات الحصار الضّخمة، لمدة أربعة أشهر، إلى أن استولى عليه الأمير وخرّبه (١) .

وفي مدّة الحصار الطّويل هذا أحسّ أمير المسلمين بالاستياء لما شهده من أحوال أمراء الطّوائف المشاركين في الحصار، فقد كان الخلاف والتنافر والوقيعة بين أولئك الأمراء الطّامعين، كما وصله خبر تفاهم ابن رشيق أمير مرسية مع ملك قشتالة سراً، وأنه قد دفع إليه جباية مرسية، وأنه يعاون حامية الحصن في الخفاء. وأخذ أمراء الطوائف يتراشقون التّهم أمام يوسف ويحكّمونه في منازعاتهم، حتى ضاق ذرعاً بذلك (٢) .

عاد أمير المسلمين إلى المغرب وهو علىٍ يقين أنّ وجود ملوك الطوائف معناه ضياع الإسلام في هذه البلاد، وكان قد ترك جيشاً مجاهداً من المرابطين من أربعة آلاف فارس تحت إمرة داود ابن عائشة ليعمل في منطقة مرسية وبلنسية، وأخذ يعدّ خططه لاستئصال شأفة ملوك الطوائف. وأثناء ذلك بلغه توافقهم لقطع المؤن والمدد عن عساكره ومحلاته التي تركها بالأندلس، فساءه ذلك كثيراً، وبلغه أن بعضهم عاد إلى مصادقة الفونسو ومالأه كعبد الله ابن بلكين، والمعتمد بن عباد نفسه، فشاور الزعماء والفقهاء وأعيان النّاس، وتلقّى فتاوى من فقهاء المغرب والأندلس ومن أكابر فقهاء المشرق بوجوب خلع ملوك الطوائف.


(١) تاريخ إفريقيا الشمالية جـ٢ ص ١١٤ في حين تذكر المصادر الأخرى أن أمله خاب في الاستيلاء عليه فآثر الانسحاب، وإن الفونسو خربه بعد ذلك حين قرر إخلاءه بعد فقد أن حاميته حيث لم يجد فيه سوى مائة فارس وألفي راجل عام ٤٨٢ هـ/ ١٠٨٩ م/ انظر: عنان- الطوائف ص ٣٣٨.
(٢) انظر: المغرب الكبير جـ٢ ص ٧٣٠.