كما حصل اتفاق الأصوليين أيضاً على أن ما نهانا عن اتباعه مما في الشرائع السابقة لا يجوز لنا اتباعه، لأن النهي عنه يعد نسخاً صريحاً بالاتفاق، ولا يجوز العمل بالمنسوخ، مثاله حل الأطعمة التي كانت محرمة على اليهود لهذه الأمة المحمدية قال تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ}[١٣] .
وأما الأحكام التي ورد ذكرها في القرآن الكريم أو السنة المطهرة دون أن نؤمر باتباعها أو ننهى عنها فهذا هو مثار النزاع ومحط الخلاف بين علماء الأصول، وهذا ما أحيل القارىء الكريم عليه بكتب الأصول [١٤] .
سابعها: قول الصحابي إذا لم يظهر له مخالف: وهو من الأصول المختلف فيها أيضاً فقد ذهب مالك والشافعي في القديم وبعض الحنفية والراجح عند الحنابلة إلى أنه حجة يقدم على القياس ويخصص به العموم وقال الشافعي في الجديد وأبو الخطاب من الحنابلة وعامة المتكلمين أنه ليس بحجة ولكل وجهة [١٥] .
ثامنها: الاستحسان وللعلماء في الأخذ بالإستحسان وتفسيره أقوال ليس هذا مجالها، والصحيح من أقوالهم أنه لا يراد به الاستحسان العقلي المجرد من الدليل، وإنما المراد به العدول بحكم مسألة عن نظائرها لدليل شرعي خاص فيكون هذا بمثابة تخصيص الدليل بدليل أقوى في نظر المجتهد.
ومن أمثلة ذلك:
١- أن يتيمم فاقد الماء لكل صلاة استحسانا والقياس أن التراب بمنزلة الماء فلا يتيمم حتى يحدث.
٢- ومنه مسألة ما يسمى بالاستصناع وذلك كأن تتعاقد مثلا مع شخص على بناء بيت أو صنع سيارة أو حياكة ثوب، فالمعقود عليه معدوم وقت العقد ولا يصح بيع الشيء المعدوم فكان القياس عدم جواز هذا العقد، ولكنهم أجازوه استحساناً لتيسير المعاملات وجرى عرف الأمة على التعامل به [١٦] .