تاسعها: المصلحة المرسلة: ونصوص الشريعة العامة تدل عليها كقوله تعالى: {يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ}[١٧]{مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}[١٨] .
والمصلحة المرسلة هي جلب منفعة أو دفع مضرة لم يشهد لها الشرع بإبطال ولا باعتبار معين، ومثلوا لذلك بجمع القرآن في عهد أبي بكر، عندما استشرى القتل في القراء بعد وقعة اليمامة، ومثلوا كذلك بتترس الكفار بجماعة من أسرى المسلمين، فإننا لو رميناهم قتلنا مسلماً معصوماً وهذا لا عهد به في الشرع، ولو تركناهم تسلطوا على سائر المسلمين بالغلبة فقتلوهم ولاشك أن حفظ جميع المسلمين أقرب إلى مقصود الشارع وإن أدى إلى قتل القلة من المسلمين الأسارى فهذه مصلحة ضرورية ليس لها أصل معين في نص أو قياس.
وقد قسم الأصوليون المصلحة إلى ثلاثة أقسام:
١- مصلحة ضرورية وهي ما لابد منها في مصالح الدين والدنيا وهي على خمسة أضرب، حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ النسل، وحفظ المال، وحفظ العقل.
٢- مصلحة حاجية وهي ما احتاج إليها المكلفون مع عدم الضرورة الملجئة إليها بل من باب رفع الحرج والمشقة ومن أمثلتها الرخص التي شرعت في باب العبادات كقصرِ الصلاة، والفطر في السفر، وفي العادات إباحة ما زاد على الضرورة من اقتناء الطيبات مأكلاً ومشرباً وملبساً ومركباً، وفي المعاملات بالقراض والمساقاة والسلم، وفي الجنايات بالحكم باللوث وتحميل الدية على العاقلة.
٣- مصالحة تحسينية وتسمى أيضاً كمالية وهي مانزلت عن حد الحاجة وعُدَّ تحصيلها من باب محاسن الأخلاق وكريم العادات.
ومثالها أخذ الزينة في الصلاة والتقرب إلى الله بنوافل الطاعات [١٩] .
عاشراً: سد الذرائع وسنفرد لها كلاماً مستقلاً وشرحاً مختصراً في موضوعنا "الحيل "للعلاقة الوثيقة بينهما.