وإذا تحققت هذا فاعلم أن نظم أجزاء الكلام مع قطع النظر عن الدلالة بمعانيها الوضعية على معان أُخر ضرب من القصور فيستعار له من [٣٧] الصياغة بدون اعتبار ما في المعنى من الاتساع والتَّجوُّز على ما أفصح /س٩٦أ/ عنه [٣٨] الشيخ [٣٩] حيث قال في دلائل الإعجاز [٤٠] : "واعلم أنّ مَثَل واضع اللغة مثل من يأخذ قطعاً من الذهب أو [٤١] الفضة فيذيب [٤٢] بعضها بعضا في بعض حتى تصير قطعة واحدة. وذلك أنك إذا قلت: "ضرب زيد عَمْرا يوم الجمعة ضرباً شديداً تأديباً له "فإنك تحصل من مجموع هذه الكَلِم [٤٣] على مفهوم هو معنى واحد/ع٢٠٩أ/، لا عدة معان كما يتوهمه [٤٤] الناس [٤٥] . وهو إثباتك [٤٦] زيدا فاعلا ضربا لعمرو في وقت كذا وعلى صفة كذا لغرض كذا. ولهذا نقول إنه كلام واحد [٤٧] وإذا عرفت هذا فبيت (بشار)[٤٨] إذا تأملته وجدته كالحلقة [٤٩] المفرغة التي لا تقبل [٥٠] التقسيم، ورأيته قد صنع في الكَلِم التي فيه ما يصنعه الصانع [٥١] حين يأخذ كِسَراً [٥٢] من الذهب فيذيبها ثم يصبها في قالب ويخرجها لك سِوارا، أو خلخالا. وأنت إذا حاولت قطع بعض ألفاظ البيت عن بعض كنت كمن يكسر الحلقة ويفصم السوار [٥٣] . وذلك أنه لم يرد أن يشبّه النقع بالليل على حدة، والأسياف بالكواكب على حِدة [٥٤] ، ولكنه أراد أن يشبه النقع والأسياف تجول فيه بالليل في حال ما تكدر [٥٥] الكواكب وتتهاوى فيه. فالمفهوم من الجميع مفهوم واحد. والبيت من أوله إلى أخره كلام واحد "[٥٦] . والبيت هذا [٥٧] :
كأن مُثارَ النَّقع فوق رؤوسنا
وأسْيافَنا، ليل تَهَاوى كواكبه
ومراد صاحب المفتاح من الصياغة /س ٩٦ب/ حيث قال [٥٨] : "مثل ما يسبق إلى فهمك من تركيب (إن زيدا منطلقٌ) إذا سمعته عن العارف بصياغة الكلام.. "هذه الصياغة المستعارة للنظم. ولذلك أضافها إلى الكلام دون المعاني كما أضافها إليها في موضع آخر على ما تقف عليه بإذن الله تعالى.