أما استفهام {أَفَرَأَيْتَ} في هذه الآيات الكريمة فقد جاء مفيدا التعجب من حال هؤلاء المشركين الذين كانوا يستعجلون عذاب الله استهزاءً وسخرية حين طالت آجالهم فظنوا أنْ ليس هناك عذاب. وجاء هذا الاستفهام مفيدا التنبيه أيضا على أن تمتيع الله تعالى هؤلاء المشركين بحياة طويلة آمنة وادعة لا ينجيهم من عذابه تعالى ولا يغني عنهم شيئا فعذابه تعالى واقع بهم لا محالة، ولكن الله- جلت حكمته - تارة يعجل العذاب، وتارة ينظر ويمهل ولكنه لا يهمل.
وقد ذهب ابن عاشور في تفسير التحرير والتنوير إلى أن استفهام {أَفَرَأَيْتَ} هنا يفيد التقرير وعلى هذا يكون المعنى: اعلم أن تمتيعهم بالسلامة وتأخير العذاب إن فرض امتداده سنين عديدة غير مغن عنهم شيئا إن جاء العذاب بعد ذلك.
وأيَّا ما كان معنى الاستفهام فالخطاب في {أَفَرَأَيْتَ} ليس مقصورا على الرسول صلى الله عليه وسلم بل عام يشمل كل من يصلح أن يكون مخاطبا حتى المجرمين.
أما الآية الخامسة التي وردت فيها {أَرَأَيْتَ} فهي قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} . الآية (٢٣) من سورة الجاثية.
تتضمن هذه الآية الكريمة:
أفرأيت يا محمد من اتخذ إلهه ما تهواه نفسه، وخذله الله عن سبيل الهدى والرشاد على علم سابق منه تعالى بأنه لا يهتدي ولو جاءته كل آية، وختم على سمعه فلا يسمع آيات كتاب الله فيتدبرها، وختم على قلبه فلا يفهم ما في كتاب الله من النور والهدى، وجعل على بصره غشاوة فلا يبصر به حجج الله فيستدل بها على أنه لا إله إلا هو.
من كان على هذه الصفات فلن يهتدي، ولن يستطيع أحد من بعد الله أن يهديه إلى الحق وطريق الرشد.