أما الآية السادسة التي وردت فيها {أَرَأَيْتَ} ففي قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى, وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى, أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} الآيات: (٣٣-٣٥) من سورة النجم.
ذُكر أن هذه الآيات نزلت في رجل أسلم فلقيه من يعيّره بإسلامه وبترك ملة آبائه، فقال الرجل: إني خشيت عذاب الله في الآخرة، فقال المعّير: ارجع إلى دين آبائك وأنا أحمل عنك كل عذاب يكون عليك إن أعطيتني كذا وكذا، فارتدّ الرجل وأعطى المعيّر قليلا مما وعد، ثم أمسك وشحّ.
وقد تضمنت الآية الأخيرة من هذه الآيات الثلاث: كيف يرتدّ عن إيمانه وهو لا يعلم الغيب ولا يعلم أن ما ضمن له صاحبه من حمل أوزاره يوم القيامة حق؟!.
وقد جاء استفهام {أَفَرَأَيْتَ} هنا مفيدا التعجب والتعجيب والتنبيه: التعجب والتعجيب من حال هذا الرجل: يسلم عن رضاً وطواعية، ثم يرتد عن الإسلام إلى الكفر من غير ما سبب سوى أنه عُيِّر بترك ملة الآباء والأجداد، ثم إنه يصدّق بضمان صاحبه أن يتحمل عنه عذاب الآخرة مع أنه لا يعلم الغيب ولا يعلم أن ضمان صاحبه حق، ثم هو يعد بأن يعطى صاحبه مالا مسمى مقابل هذا الضمان الباطل فيكذب ولا يفي بما وعد.
وجاء هذا الاستفهام مفيدا أيضا التنبيه على حال هذا الرجل المرتد: إسلام رضاً وطواعية، ثم ردّة طائشة تقوم على جهالة الجاهلية، وقبول ضمان لا دليل على صحته وصدقه، ثم وعد لا يعقبه وفاء. إنها لحال جديرة بأن ينبه عليها، حال مثيرة للتعجب والاستغراب، باعثة على التذكر والتدبر والتفكير.
وفي البحر المحيط لأبى حيان وتفسير الجلالين أن {أَفَرَأَيْتَ} هنا بمعنى أخبرني، فهي علمية تنصب مفعولين: المفعول الأول- وهو المستخبر عنه- اسم الموصول {الَّذِي تَوَلَّى} ، أما المفعول الثاني- وهو متعلق الاستخبار ومناطه- فالجملة الاستفهامية:{أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} .