أما أرأيت الثالثة:{أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى, أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} فمفعولها الأول محذوف اختصارا يعود على الذي ينهي، ومفعولها الثاني الجملة الاستفهامية:{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} . أما الشرط الواقع بعد أرأيت الثانية والشرط الواقع بعد أرأيت الثالثة فجوابهما محذوف دل عليه الجملة الاستفهامية، والمعنى أرأيت أبا جهل الناهي عن الصلاة إن كذب بالحق الذي بعث الله به محمدا وتولى وأدبر عنه فلم يصدق به ألم يعلم بأن الله يراه فيحاسبه على تكذيبه وتوليه.
والمراد بتاء الخطاب في {أَرَأَيْتَ} في آياتها الثلاث الرسول صلى الله عليه وسلم وكل من يصلح أن يكون مخاطبا.
وقد جاء استفهام {أَرَأَيْتَ} في آياتها الثلاث مفيدا التعجب والتعجيب والتنبيه والتهديد والوعيد:
التعجب والتعجيب من حالة أبي جهل، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهدى ويأمر بالتقوى، ويدعو إلى عبادة الخالق الرازق، وإلى نبذ عبادة الأصنام التي لا تسمع ولا تعقل ولا تضر لا تنفع، فكان ينبغي لأبي جهل أن يستجيب إلى دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فيؤمن به ويصدقه، لا سيما أنه قد عرف الرسول صلى الله عليه وسلم أمينا صادقا مستقيما، ولكن أبا جهل يكذب الأمين، ويظل يعبد الأصنام، وزيادة في الكفر والعناد والجهالة حاول أن يمنع الرسول صلى الله عليه وسلم من الصلاة في المسجد الحرام حول الكعبة عند المقام، وهو يعلم أن الله تعالى يراه ويعلم فعله وأنه قادر على الانتقام منه ونصرة رسوله الأمين.