للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن المؤكد أننا نجد صورا لهذه الموضوعات في الشعر العربي القديم، ولكن هذه الصور قليلة، تزاحمها الموضوعات التقليدية السائدة آنئذ، وهذا ما يجعلنا نقول: إن المهجريين قد وجهوا الشعر العربي في العصر الحديث إلى العناية بهذه الموضوعات، وأعطوها صدارة القصائد، وجعلوا شعرهم مثالا عمليا يحتذيه كثيرون من بعدهم. ولا شك أن مرارة الغربة والصعوبات الكثيرة التي واجهتهم في سبيل لقمة العيش، والروح الشرقية التي صدمتها الحضارة الغربية، والثقافة النصرانية التي يصدر عنها هؤلاء، هذه العوامل كلها قد ساعدت على تألق الموضوعات الجديدة في الأدب المهجري. يضاف إلى ذلك أن اطلاعهم على جانب من الفلسفة التي تُعنى بالروح من وجهة نظر غربية، كفلسفة امرسون، والأعمال الأدبية المتأثرة بها، قد ضاعف اهتمامهم بالموضوعات الإنسانية الجديدة، يقول صاحبا كتاب "الشعر العربي في المهجر"في هذا الشأن: وربما سمعوا أو قرأوا شيئا من فلسفة امرسون عن الطبيعة، "المعلم الأكبر"أو عن "غاب ثورو" وربما يأتي إليهم- بطريقة ما- صوت الشاعر "ويتمان"وهو يرى أن الإنسان قد يستطيع تحقيق حريته فيحرر عقله وجسمه عن طريق الديمقراطية، ويحرر قلبه عن طريق الحب، ويحرر روحه بالدين....... ولكننا نعلم أن هذا الاتجاه الأمريكي نفسه هو وليد اتجاه أوربي عند "كانت"و "كولريدج" و "بليك"و "وردزورث"و "روسو"، وقد اتصل جبران بهذا الموروث من خلال "بليك"و "نيتشه" [١٨] . والمعروف أن جبران هو أكثر الشعراء المهجريين استبطانا لذاته، وأكثرهم التصاقا بالطبيعة، وأنه أغرم - أثناء وجوده في فرنسا - بوليم بليك، وقرأ مؤلفاته، وتأثر بها في اختيار موضوعاته [١٩] ، ولاسيما موضوعات العناية بالنفس والروح والعالم العلوي - حسب التصور النصراني - ومن جبران سرت هذه الموضوعات إلى عدد من الشعراء المهجريين، ومن ثم إلى عدد من الشعراء المشرقيين.