وفي ميدان الشكل يتمثل تحديث المهجريين في عدة جوانب، أهمها جانبان هما: التشكيل الموسيقي والمعجم الشعري.
أ- تحديث المهجريين في الشكل الموسيقي:
كثيرا ما تحدث الدارسون عن أثر المهجريين في موسيقى الشعر العربي الجديدة، وكثيرا ما عدوهم ممهدين للتغييرات الواسعة التي نادى بها الحداثيون فيما بعد، والحقيقة أن تجديدهم في هذا الميدان ليس كبيرا، وأنه في معظمه دعوة نظرية لم تطبق تطبيقا كاملا قط. فقد دعا أمن الريحاني إلى الشعر المنثور، وكتب نماذج منه، وظل متمسكا به إلى آخر حياته [٢٠] ، ولكن دعوته لم تنتشر بين الشعراء المهجريين، وظل هؤلاء مخلصين لإطاري القصيدة والموشح، يدخلون عليهما في بعض الأحيان تنويعات بسيطة لا تخرجهما عن بنيتهما الأساسية [٢١] .
وهاجم ميخائيل نعيمة الأوزان والقوافي، ونادى بالتخلص منها، لأنها في اعتباره زخارف لا قيمة لها، تشبه زخارف المعابد. قال: لقد وضع الناس للشعر أوزانا مثلما وضعوا طقوسا للصلاة والعبادة، فكما أنهم يتأنقون في زخرفة معابدهم لتأتي لائقة بجبروت معبودهم، هكذا يتأنقون في تركيب لغة النفس، لتأتي لائقة بالنفس، وكما أن الله لا يحفل بالمعابد وزخرفتها، بل بالصلاة الخارجة من أعماق القلب، هكذا النفس لا تحفل بالأوزان والقوافي، بل بدقة ترجمة عواطفها وأفكارها. فلا الوزن ولا القوافي من ضرورة الشعر، كما أن المعابد والطقوس ليست من ضرورة الصلاة والعبادة. فرب عبارة منثورة، جميلة التنسيق، موسيقية الرنة، كان فيها من الشعر أكثر مما في قصيدة من مئة بيت بمئة قافية [٢٢] .