وفي يقيني أن الذوق وحده لا يكفي حكما لقبول الكلمات الجديدة، وهو معيار شخصي جدا، ولا يجوز أن يتدخل في لغة لها قواعدها وأصولها التي استقرت منذ قرون عديدة. لذلك لم يرض العقاد عن رأي نعيمة، وأعلن مخالفته الصريحة له في المقدمة التي كتبها للغربال فقال: "الأديب في حل من الخطأ في بعض الأحيان، ولكن على شرط أن يكون الخطأ خيرا وأوفى من الصواب، وأن يكون مجاراة التطور فريضة وفضيلة، ولكن يجب أن نذكر أن اللغة لم تخلق اليوم فنخلق قواعدها وأصولها في طريقنا، وأن التطور إنما يكون في اللغات التي ليس لها ماض وقواعد وأصول. ومتى وجدت القواعد والأصول فلماذا نهملها أو نخالفها؟ إلا لضرورة قاسرة لامناص منها؟ [٢٩] .
وفي الحقيقة كانت ثورة المهجريين على اللغة نظرية أكثر منها تطبيقية أيضا، فقد كتبوا أشعارهم بالفصحى وقلما خرجوا عنها. لكن معظمهم كان يعاني من ضعف محصوله اللغوي، وكان يقع في الخطأ، فتحول ضعفهم وتساهلهم إلى دعوة للتجديد، ولقبول الاستعمالات غير الفصيحة ما داموا قد استعملوها.
وقد ساعدهم على التساهل في اللغة مزاجهم الرومانسي، فمن طبيعة هذا المزاج رفض القيود في كل شيء، وإيثار اللغة اللينة ولو أدى الأمر إلى استخدام بعض الكلمات العامية في القصائد، كما أنه ينفر من قوة التركيب وجزالته.
ومن الضروري أن نتحرز - ونحن نذكر هذا - فنؤكد أن المجيدين منهم كنعيمة وجبران والريحاني وعريضة وإيليا أبو ماضي.. ونفر آخر قليل من المهجريين كانوا رغم أخطائهم يحسنون استخدام اللغة في شعرهم، حتى أن الدكتور مندور أعجب بها إعجابا شديدا، وعدها القمر التي لا يصل إليها إلا الأفذاذ من الشعراء [٣٠] .