ولاشك أن هؤلاء الشعراء استطاعوا أن يصفّوا لغتهم ويخلصوها من النبرة الخطابية، كما استطاعوا أن يصقلوا عباراتهم لتعبر عن أعماق ذواتهم، ولكنهم في اعتقادي لم يصلوا إلى القمة التي يشير إليها الدكتور محمد مندور.
وأخيرا نشير إلى التجاوب الكبير الذي قام بين جماعة الديوان في مصر، وجماعة المهجريين في المهجر الأمريكي، ولاسيما جيل نعيمة ومن بعده، وتبدو صورة التجاوب في المقدمة التي كتبها العقاد لغربال نعيمة، حيث رحب العقاد بالغربال ووافق على المبادئ النقدية التي وردت فيه، باستثناء تحفظ واحد في قضية اللغة [٣١] .
وقد أثمر هذا التجاوب مساندة قوية لآراء الديوانيين، وأسهم في دفع عملية التغيير في الأدب العربي الحديث ونقده، فتضافرت جهود جماعة الديوان مع دعوة المدرسة المهجرية في توجيه الشعر وجهة وجدانية لا تزال آثارها تلازمه حتى اليوم، كما أثرت جهود المدرستين في إنتاج "جماعة أبولو"، وفي إنتاج شعراء ما بين الحربين في عدد من البلاد العربية. فكان شعراء أبولو مثالا لاستمرار عملية التحديث في الشعر العربي. وهذا ما سنقف عليه في الفقرة القادمة.
تحديث (جماعة أبولو)[٣٢] :
تضافرت جهود خليل مطران والديوانيين والمهجريين في إدخال قيم حديثة إلى الشعر العربي، وتعاونت على توجيهه نحو الخط الرومانسي، فكان التيار الرومانسي العربي في الشعر، يبدأ بخليل مطران، ويقوى بشعر الديوانيين والمهجريين، ويتكامل في شعر جماعة أبولو ونظرائهم.
ويمثل شعر جماعة أبولو تطور الحركة الشعرية في الثلاثينيات من هذا القرن الميلادي.
وعلى الرغم من تباين اتجاهات شعرائها، فثمة سمات عامة تغلب على معظمهم أهمها: الرغبة في تحديث الشعر ودفعه خطوة أخرى بعد الديوان، والتأثر القوي بالثقافة الغربية، والإعجاب الكبير بمبادئ الرومانسية الغربية.