وقد استمرت قضية الحداثة خلال الحرب العالمية الثانية، وتكررت الكتابات فيها، وكانت الآراء متناقضة، تعيد صورة الخلاف بين الديوانيين وخصومهم. إذ أثيرت قضية الشعر المرسل في سلسلة من المقالات كتبها دريني خشبة [٣٨] وتحول العقاد عن مناصرته لها، ورأى أن القضية حلت نهائيا باعتماد القافية المنوعة [٣٩] ، ودخل الدكتور محمد مندور حلبة النقد بعد عودته من فرنسا، فأثار قضية القاموس الشعري الجديد من خلال دعوته إلى الشعر المهموس، وتخطى المفهوم التقليدي للشعر، وهاجم شعر العقاد، وعد الشعر المهجري - في نماذجه الجيدة - مثالا لما يجب أن يكون عليه الشعر العربي الحديث [٤٠] . وما لبث أن دعا الأدباء صراحة إلى الأخذ بأدب أوربا في أنواعه المستحدثة [٤١] ، وكتب سلسلة من المقالات درس فيها قضايا الوزن والقافية في موسيقى الشعر الغربي وموسيقى الشعر العربي وشرح الفروق بينهما [٤٢] .
وهكذا ترتبط الحداثة في الشعر العربي - إلى حد بعيد - بالأخذ عن الشعر الغربي ونقده بعض المبادىء الجديدة على الشعر العربي، حتى أن نعيمة يقول بصراحة تامة: إن ما تعود البعض (كذا) أن يدعوه نهضة أدبية عندنا ليس سوى نغمة هبت على بعض شعرائنا وكتابنا من حدائق الآداب الغربية، فدبت في مخيلاتهم وقرائحهم كما تدب العافية في أعضاء المريض بعد إبلاله من سقم طويل [٤٣] .