ولا تخلو دعوة من دعوات التجديد في هذه الفترة من شيء مما قاله نعيمة، حتى "العقاد"الذي وقف مواقف ثابتة من الشعر الغربي، يستند فيها إلى فهم عميق للشعر العربي، وارتباط كبير به، فإن دعوته إلى تحديث الشعر العربي ليست في الحقيقة إلا دعوة لإدخال عدد من القيم الغربية - والإنجليزية الرومانسية بخاصة - إلى القصيدة العربية. حتى الآن اقتصر حديثنا في قضية الحداثة على الحركة الشعرية في مصر، والحقيقة أن الحركة الشعرية لم تكن محصورة في مصر وحدها. ولم يكن التطور وقفا على إنتاج شعرائها. بل كان موزعا هنا وهناك في أطراف البلاد العربية. ولكن من الواضح تماما أن قيادة الحركة الشعرية في مطلع العصر الحديث، بدءاً بانعطاف محمود سامي البارودي إلى قمم الشعر العربي الأصيل ووصولا إلى الدعوة الرومانسية، كان في مصر، أو لنقل كان صوتها القوي في مصر، وذلك لأسباب كثيرة: فمصر كانت أسبق البلاد العربية إلى الاحتكاك بأوربا، جاءتها الحملة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، وخرجت منها في مطلع التاسع عشر، ومصر أسبق البلاد العربية إلى تكوين حكم ذاتي قوي، ينافس الدولة العثمانية إلى درجه كاد أن يزحزحها عن بلاد الشام، وأسبق شقيقاتها إلى إرسال البعثات العلمية والاتصال بالثقافة الغربية. لذا من الطبيعي أن تزدهر حركة الثقافة فيها، وأن تتسرب إليها ألوان من الثقافة الغربية، ثم تنتقل منها إلى البلاد العربية الأخرى. وقد سهل هذا الانتقال تنقل المثقفين بين الأقطار العربية، ورحيل عدد منهم إلى مصر، سواء للإقامة فيها - كما فعل الكواكبي ومطران وغيرهما - أو مرورا بها للتزود من مواردها الثقافية، كما فعل جميع طلاب الأزهر من غير المصرين، ومنذ منتصف القرن الماضي، أو لنقل منذ ظهور البارودي في مصر ظهرت في الأقطار العربية الأخرى بوادر التغير في الشعر. لكنها لم تلق النجاح الذي لقيته حركة البارودي. لذا نقول بثقة واطمئنان إن ريادة