تحديث الشعر كانت في مصر، وإن انتشارها بدأ في مصر، على الرغم من وجود مظاهر لها في البلاد العربية الأخرى، وإن هذه الريادة استمرت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ثم انتقلت منها إلى البلاد العربية الأخرى، وبالذات إلى العراق ولبنان. ذلك أن سيطرة المحتلين الأوربيين على معظم البلاد العربية ولا سيما بلاد الشام والعراق، وشيوع الثقافة الغربية في هذه البلاد، أثر في ريادة مصر، وجعل المثقفين يتحولون عنها ليصيبوا من الموارد التي أصابها المجددون في مصر. حتى إذا كانت نهاية الحرب العالمية الثانية، أخذ هؤلاء المثقفون ينقلون النزعات الحديثة في الغرب عن أصحابها مباشرة دون المرور بمصر، واستطاعوا أن يأخذوا في بعض القضايا الشعرية دور الريادة، لذا، واستكمالا لقضية الحداثة في الشعر العربي، أرى من الضروري أن أعرض (خطفاً) الحركة الشعرية في بعض البلدان العربية، لنصل الي رؤية شاملة لقضية حداثة الشعر العربي.
قبل النهضة كان التشابه بين الأقطار العربية كبيرا، فجميعها متخلفة علميا وأدبيا واجتماعيا، والشعر في جميعها متشابه في جموده وارتباطه بالأسلوب البديعي المتكلف.
وكما بدأت بوادر التغيير في مصر إثر رحيل الحملة الفرنسية، فإن بوادر التغيير في سورية بدأت إثر انتشار المدارس التبشيرية في الساحل وفي عدد من المدن الكبرى، فقد أعدت هذه المدارس طلابها ليكونوا طلائع التغيير القادم.